الخميس، 31 مارس 2016

صباح الخير







أفترش الأرض وسادة لأحلامي القادمة .....
بعدما خرَّ بيتي ساجدا على الأرض ...

صباح الخير ......
للوقت المستقطع من الحياة ,,
للشعب الذي يقول إن شاء الله ,
للصباح المزكوم برائحة البارود
لعمود الوفيات المعبأ في صحيفة متأخرة
لإبريق الشاي الحزين ,,
للسيدة التي لم تعد لبيتها ...
للخبز المعجون بهموم الخباز ...
للطابور الذي نفد صبره
للمرتب الغائب عن مواعيده
للابتسامات الممنوحة بالتقسيط المريح
للفتاة الجالسة بانتظار عودة حبيبها .
للأم التي تنتظر معايدة ابنها الشهيد

والوطن جيب كبير مستنزف الوريد
وملعب بيسبول يتسع للمزيد !!

لديَّ ما يكفي من الحزن على بلادي.
لذا سأقشر تفاحة انتظاري للفرج ...
المتخم بأمنيات التوافق بين الأطراف
و إن اختلفوا كالعادة ... ....
سأتناول الأكتيفيد لأنام ليلة أخرى
و أنسى أصوات الآر بيجي ...
و الرسائل النصية بين القنوات ...
وبدلة المتحدث الرسمي الأنيقة ...
والجرافات المُحملة بالموت المبلل بالمــاء
وخيط الحوار الطويل الذي أضاع إبرة الطريق ...
والوطن الذي لم يأتِ .... 


الجمعة، 25 مارس 2016

ديمقراطية البكاء !





كماءِ دمي الأزرق ....
وجناح سنونوة وحيدة
أكتب نصوصاً ترفرف لقلبي الصغير...
أترك رذاذ الحلم عالقاً على نوافذ انتظاري
ثم أطرقُ باب أسئلتي في فوضى ونزق
أقشر برتقالة الملل ,,,,
و أتناول ليموناً حامضاً ...
لأفيق من سكرتي النهارية
حتى يفرقع الوعي رأسي
و أشاهد بأم عيني الأسماء التي تتكدس
في المقبرة ....
المتفجرة من فوشار الوجوه المصدومة
من ضخ دمنا في شراهة
أتوسد أحلامي الباقي من عمرها
رغيف خبز ...
وحقيبة مدرسة ...
و طوابير لا تنتهي 
و جرعات أملٍ صغيرة 
أسحب نفسا عميقا من الهواء المعبأ
بحكايات اختلافنا ,,,,,
و بألم مفاصل الدولة على فيس بوك ..
حتى يسقط رأسي في هوة حوارنا
الفارغ من الحياء ...
ثم أنام ممتنة لحكوماتنا على ديمقراطية البكاء !!



الخميس، 24 مارس 2016

ربة البيت إنسانة






خارج المناخ أنت ...

تتنفس أكسجينا ملوثاً باسمي

راضيا بخرائب عشقي ....

تسير في جنائز موتي فيك ...

فلا تندب الحياة المنبعثة في شعري

حين يروقك ضعفي ،

و تهدل عناقيد شوقي !



أعرف أنني مثل خمائر فقاعاتها مفتوحة على عيون الدهشة

فاقدة مدتها من فيتامين باء ...

أو مثل جزمة قديمة مركونة في الزاوية

أو كعلبة سردين انتهت صلاحيتها ...

غير أن جوعك يتبرأ من مدة استهلاكها !



توجد أكثر من طريقة لزراعة زهرة في حقل مهجور ...

و أكثر من أمل لرسم كفِّ قمح مشرعة لهديل اليمام !

توجد أكثر من حجة لتدسني في جيب قميصك الأزرق ...

و أكثر من وسيلة لتناول لفافة تبغ دون منفضة ...



دون أن تخسر دمعة حين تكسب وجعاً ...

أو تشعل عود كبريت حين تخسر حلما ....



سقف السماء وردة سلام بيضاء

تتفتح من شفتيها بتلات التكوين

تنهمر من عينيها أيقونات الوجود

يتساقط بين ذراعيها جنى الطفولة ...



من يسأل الغيمة لماذا يسرها وميض البرق ؟!

من يسأل المطر علام يسيل الماء من رحم مختنق ؟

من يسأل الطين لم تتشقق وجنتيه كلما تسرب إليها الجفاء !


دع الإجابة تنهمر من عين السؤال

فالإجابة أنثى

والولادة أنثى

والحياة أنثى

والثورة أنثى ....

والطبيعة في صيرورتها أنثى

الأربعاء، 23 مارس 2016

قبل أن يشيخ البحر







أتساقطُ كورقةٍ آيلة للاصفرار من دالية عنب، تكاثفتْ قربها عناقيد الشوق، فلم تقوَ على جبال حنينها، وما حان موعد نضجها، خضراء بطعمها اللاذع، كلما تذوقتُ شيئا من رطوبة حضورك، في مواسم الحر، لذعني فراقك بأقباس أسئلة التوق إليك، حبيبتك الجورية الذابلة تتساءلُ عنك في غمار الغياب، ويمِّ العذاب ـ اشتاقتْ إليك أيها الغالي المُطوق بأكاليل عتابي، جعلتك مترعا بأنيني، ومحملاً بأساي، حتى وصلني منك الإعراض، وذهب عني إقبالك في انزياح عجيب، مُثقلاً بخيبة أمل لعقتها منك بمرارة، وما أنا إلا تلك الحمالة لأنين الوجد، الذي مار بي في الأرجاء ـ إذ عدتُ من هنالك وفي قلبي وجل منك، من كم الشروخ التي أثقلت جراحي، ومن حمام نواحي، ومن هديلي المنطفيء، يا الله! حين يأسرني طيفك، يصفدني بين أحضانك، يذكرني بوطن ضاع مني منذ سنوات، الغربة فيه زاد الأقرباء، والعزلة وجه الحديث إلى الأصداء، والفراغ المحيق بنا يأكلنا، يلتهم أعمارنا في شراهة و نزقٍ ,


الليل ليل ٌ، مهما بيَّض وجهه الضوء، الظلمة هنا بللتْ قهري وصمتي، بماء وجهك الملائكي، وعبق مرورك الجبريلي، ياحبيبي هل سمعت به سابقاً في كتابات شاعر، أو كاتب، تحفَّك أجنحته حين تُلقي إلىِّ بقبضة من أثرك، أنتشي بها أوقات رحيلك عني، أتقوتُ منه أياماً يمررها لي الوجود في سخاء، لم أعهده منه قبلاً، وكسيدة تتصوف عشقك، أظلُّ على مسبحة العدِّ، أُحصي كم من الوقت بقي، كي أعلنك مليكي في بلاد الندى، وأحملك قنديلاً أستضيء به آخر عمري، وأُسرج من كلماتك زيتاً، يشعل جذوة تعابيري، ويباركُ فتوحات قصائدي، ويلثمُ خد صباحاتي، كلما احتلني اليأس و أنزل مستعمراته بروحي...


لن يموت الحب، مازالتْ ذاكرتي ترفل بقصائد كثيرة ة، تهدلُ بأصوات المحبين لبلادنا، ومازال الخير معقوداً في نواصي الخيل، المُبكرة في طلعتها كل صباح، ومازالت أغنيتنا المُفضلة تصدحُ، من كل نافذة، ومن باب كل بيت، لازال الوطن يحتملُ، مازال يمكنه ألا يأبه لتلك الخدوش، التي تمزق جلده وتلك الرتوش، التي تجعل من السلام عالقاً، مازال الجدار قادراً عبر ثقب ما، أن يُحدث فجوة فنرى الجانب الآخر من الوطن، مهما كان حجبه عنا أمراً مستحيلاً...


روحك الراكضة في شراييني، تتذوق طعم النضج في دمي ـ تصولُ، وتجول أفياء قلبي ـ تدركُ أن كل أبوابي مغلقة إلا منك، وكل الزوايا يلفها الصمت، وتأنف الضجيج إلا في حضورك الهدوء ـ المُنساب كسرابٍ تطارده أحلام الفراشات، بين أوجاع الحقول، وأخابيب الصحراء، أتجردُ مني إلا منك، أتركُني مُنسابة كطفلةٍ، أبحثُ عن وطني الفقيد، بين قطعان المتاهات، منْ يفهم هذا التراب عدانا، نحن الذين غمسنا أقدامنا في وحل ترابه، و ألتحفنا نجومه رداء لأجسادنا العارية كلما أقبل علينا الليل، نتوسده حنيناً، وفي صباحاتنا البهيجة نسرده حلماً، من غيرنا تعفَّر بطيبة وجهه السموح، المعطاء، وقلبه الدافق دفئاً، من غيرنا لثم خدود الصغيرات الآمنات في شوراعنا الهادئة، وتناول قرب أحبائه أقداح قهوة المساء، الدائرة من بيت لبيت، حتى صارت تعرفنا، وتنتظر أن نحركها من لوعة سكونها، من غيرنا سيهزُّ جنبات الكون، ويفتح أيقونة اللقاء، ويزرع أشجار الحب، ويترك للزيتون فرصة الحياة على ترابنا، من غيرنا سيكتب التاريخ الناصع البياض، ويكفُّ عن هزِّ الجهات للجهات، ويترك لغة العتاب للغياب الذي لن يأتي، من غيرنا سيعمر هذه الروح الجميلة التي لم تشخ فينا، مهما حاق بها من ألم، نعرفها، تعرفنا، يعرف الوطن أنها منه...


تعالْ، وحررني من أوهامي، قبل أنْ تهرم أشجار الصنوبر فوق جبالنا الخضراء ـ قبل أنْ يتجردَ البحر من ملوحته، وتتركه شواطئه للغرباء، قبل أنْ ينفذ الصبَّار من صبره، قبل أن تفور ثقوب أرضنا من الغليان، وتصلب فتيانها على قارعة الحرب التي ما تركت لمقاعد الدراسة طلاباً، قبل أن تنطفيء مشاعل العيون المتوقدة لهفة، قبل أن تخلو الديار من ساكنيها، تعالْ وازرعْ في قلبي بذور أمل تحفُّها روعة اللقاء، واحصدني حلماً تحقق لك أن تراه، تعال واجعل الشمس تدورُ بين شقي رحى، اخطفها لي من مرآة السماء، وزين محياي بقبس من نجوم تروم عشق القمر، واترك لي مكحلة ومرودها لألقاك بها، حين يهزمني الدمع من طول العتاب، تعالْ قبل أن يشيخ مُحيا البحر هذا الصيف، ستجدني قرب شواطئها حافية، الماء يُغرقني في يمِها، ويُنعش الوجود بالوجود، تسمعُ أغاني الأصداف المُلقاة برأسها على كتف الرمال الذهبية، تهمس لها بتاريخنا، وبذاكرة الوجوه المارة من هنا، ترفل بأكتافها الممتدة كلما طال بها الطريق المُمتد ....يُنشد لها إننا لن نخذلك...

الأحد، 20 مارس 2016

رقص .....







سأكتبُ نصاً ليس للبكاء
سأقضم فيه تفاحة يأسي
أعني تفاحتي الصفراء ......
البكاءُ موضة كلاسيكية قديمة .
يمكنني عوضا عن ضخِّ الملح من عيني ِّ
أن أشرب كأساً من الشعر !
ثم أجعل رأسي يسقط من دوار اللغة
ومن بؤس حكوماتنا النازف للوريد ... !
يمكنني أن أمنح الشوارع أسماء الزهور
بدلا من أسماء الموتى ...
وأطلي واجهات البيوت الكئيبة
بقوس قزح .......
يمكنني بدلاً من الدموع ..
أن ألعبَ الغميضة مع صور الشهداء
المُعلقة على اللافتات المهترئة ..
و إذا فشلت في مراقصة الفرح
سأنزوي مساء في فراشي
و أفتح ألبوماً ...
يضجُّ برائحة ذكريات قديمة ......

السبت، 19 مارس 2016

مذاق












في هذا البلد المرهف الاحساس ,

في هذه المدينة البيضاء,
في هذه الساعة الواقفة على ساق واحدة .
في هذا اليوم السبخي المالح .
كانت هنا بنغازي .
أصبح اسمها بنغازي .
أضحى اسمها بنغازي .
أمسى اسمها بنغازي .
مازال اسمها بنغازي .


تسكنني بقلبها ......

لا أعرف سر هذا السطر المالح ، المختصر !
و لماذا يعيش فيها الوطن ولا يحتضر ؟


ما أعرفه ...

أنَّ ثمة نوافذ من عشرات الابتسامات 
تُشرع فخذيها للسماء .....
كلما قبلها البحر الهائج .
و أن ثمة أحزان تخرج معجونة من زبد روحها 
فتدخل الأفران ....
لتُورق خبزا يحارب الجوع 


ما أعرفه ...

أن القهوة في حـــانة بنغازية ..
تُشعرك أنك شاعر مجنون ...
تستطيع أن تصعد كتف الزمن 
فوق صهوة الرائحة 
أو تمنحك الشعور بأنك روائي كبير 
أو أنَّ الأصفر كان هنا ..
يسكب الشغف في كوبه المترع بالبن ...
تاركاً روحه مع رواية 
فوق منضدة تشتعل في السرد ...

19/3/2016
اللوحة (النقيزة ) للفنان علي العنيزي .
الأصفر : الروائي محمد الأصفر .


الجمعة، 18 مارس 2016

المنـــسي في السرد






في مدينة الحلم تهدلُ عناقيد فرح أسطورية ، و أطياف النور السماوي تسبح في فضاء الزيتونة المُعلقة في المجرة الوحيدة ، النورُ فيضٌ من أقباس السكون ، و القناديل تُسرج قرص الشمس لفضاءات بعيدة المدى ، الجنةُ أرضٌ خصيبة ، كمدينةٍ يحبها الله ، خارطتها روحٌ من الطيبة ، مخضبة بحناء الوجد ، ذلك الذي يتسلط على كنه الذات ، فلا يأتي إلا بالحديث الهامس ، اللغة فيها استرسال ، يُحيل العصفور لحناً يشدو ، والشجرة إلى وجود مليء بأغصان الحياة ، والغابة إلى عالم ساحر .

هنالك كان حطَّاب الأرض ، يحملُ فأسه و أحلامه ، كلما اقتربت ساعة الفجر من أحضان النهار ، بدأ النهار يترقب بتؤدة ظهور سيدة بيته شمس ، فيتوشح بعباءته الدافئة ، ويمضي في خشوع مهيب ، نحو الضحى ، فالذروة ، فلحظة شبق تخشع لها مآذن الله في الأرض .

حينها يستلقي الحطَّاب على أعناق العشب القصيرة ، يُظلل خارطة الأرض الخضراء ، يبحث عن شجرة تحتضن حكايته ، و ترنو للغة أصابعه ، وكفَّه ممدودة سلالها إلى الله ، كان يهمس ويقول في خلجات روحه : لا أملكُ أن أقطع عنق صفصافة ، ولست عدواً لأشجار السرو ، هبني يا الله فأساً تمنح السكينة ، للروح المتخشبة فلا تسلب أكسجين الله من روح الأرض .

كان يتساءل كيف يتسلط ُ على اللغة ؟ 
ويحيل الفأس إلى عصا ساحرة ، والعصا إلى حكمة السماء في الأرض ، والحكمة إلى دهشة مُحبة ، تخصف أوراق الجنة على الأرض الوعرة العارية من آثام البشر !


كيف يجعل الكلمات تتحول إلى قنديل البحر ؟ أو زهرة توليب ؟ كيف يجعلُ الدببة المتوحشة في الأرض تستحيل إلى يمامات تطلق سراح السلام المحبوس في الصدور ، ويجعل الصدور المُغلقة بأقفال الكبت تفتح أبوابها للريح .
كان يدعو أن يتحول إلى حطَّاب يحطبُ الريح ، فيعيد الاتجاه إلى عكس عقارب الساعة ، الواقفة على ساق الرتابه ، و يدندن على أعناق الهواء حكاية الفأس التي لا تقطع رقبة شجرة ، ويركب البساط العشبي ، يتسربل أحلامه رواء فوق الأرض ، فإن مرَّ بتماسيح فوق النهر أحالها لأسراب من البط .

البط يتدرب هو وصغاره على السباحة في خضاب النهر العاري من الوحوش .
الصغار تمضي ضاحكة ، تستغرق في ماء العذوبة .
العذوبة بسمة الحياة ، إذ ليس ثمة بندقية لاصطياد الفرح هنا ّ .

و إنْ مرَّ بصحراء ، وشاهد تائهاً تاهتْ عنه ناقته ، فأخذته عنوة السراب ، أسبغ عليه من نعيم الظل ، صبَّارات أشرأبتْ أغصانها القصيرة ، فامتدت تعانق السماء ، واستظل بها ، قرب عين ماء فجَّرها من خضاب كفه ، وجعل واحات التمر قريبة ، حتى إذا انهمر الماء من السماء ، فاضت الرمال بأناس فوق كثبان الصحراء ،فأحالوها لمدينة تمتليء بالضحك ، تكبر كلما زادت فقاعات الهواء المنبعثة من الحناجر الضاحكة .

و إن مرَّ بعاشقين مختلفين ، أسبل جفنيه ، و جعل أهدابه تتساقط من كفِّ السماء ، فإذا بها تنزل أمنياتٍ فوق كرسي اللهفة الذي يجمع بينهما ، فأحال الآمال إلى واقع وردي يبتسم له الزوجان في آن .

الزوجان يدربان صغارهما على المشي فوق الأرض .
الأرض تستقبل الخطو بضحكات متناثرة مثل الفوشار .
الفوشار يفيض من دائرة الوجود فرحاً وراء فرح .
الفرح بسمة الحياة ، إذ ليس ثمة من يعكر صفو الخير هنا .

يظل سابحاً في مجرة الحلم ، يستيقظ من هنيهات الدعاء المستغرق في السرد ، على صوت الآذان الذي تمتليء به أحضان الشمس في حضور حبيبها النهار ، يقوم من صلاته ، وهو سعيد بأنه لم يقطع غصناً ، يحمل فأسه على ظهره ، ويعود أدراجه وهو يقول "
:لا أملكُ أن أقطع عنق صفصافة ، ولست عدواً لأشجار السرو ، هبني يا الله فأساً تمنح السكينة للروح المتخشبة ، فلا تسلب أكسجين الله من روح الأرض .


أتكحَّلُ بغيابك






ابتسامةُ النَّهار وجه الضحى
لعبةُ الليلِ قوقعة نجمةٍ في حضنِ القمر
و الحبُّ أنت !
وليلى على هوى شرقىٍّ لايأبهُ لخطوط
الطولِ والعرضِ !

عند درجةِ الصفر ثمة أغنيةٌ تتسربُ لبوحِ الشَّمس
وثمة لحنٌ ينشدهُ البدر ُعند مفترقِ غيمةٍ وأمنيةٍ
ثمة قبلةٌ تتشكلُ في لغةِ الكونِ
تترنحُ فوق قمة الشوقِ وقاع الاشتهاء !

أيا قلبي :
ادرجْ اسمك في قائمةٍ طويلةٍ لمداد كحلٍ أسود
يليقُ بك { الأثمدْ }
يبرئُ عينيك من رؤيا حزني !
يرتديني ألمُك في هنهاتِ الروحِ
تنخلعُ مني روحي باحثةً عن ملاذٍ فيك
تتحسسُني تلقاءَ وجهٍ مرسومٍ فوق خطِّ استواء وجهك
درجتهُ عشقٍ .
مسارهُ أعمى .
حرارتُه تتسعُ لمزيدٍ من الجرح ِ!
يخنقُني رمادك حين تُمطرني رذاذَ ماءٍ
على ذاكرة مشمعة بالأحمر !

يا أنت :
يا أناي !
تلقاء قيسٍ وليلى قلتُ قصيدتي ...
و ألقيتُ ببذوري قبلَ مواسم الطمى
افترق الاثنان !
حرقةٌ بددَّها شرخٌ تناثرَ فوق أفواه
مزقَّها السَّراب في وجهٍ تصحَّر
من ظاهرةِ حبك فيه !

مِنْ أين للجوري بفصول كلها ربيعك ؟
مِنْ أين لبتلاتي أن تُورق أغصانها وشوكك
يوخزُني بأنينِ غيابك ؟
مِنْ أين لعمياء أن تتكحلَ بمرودها وهى لاتراك ؟

لَّليل أنْ يُخلي سراحَ النَّجمةِ من سجونٍ
أوهمها القمر بأنَّها جنات عشقٍ !
و لخطوط طولي وعرضي أْن تتوازي
في دائرة الظنون لئلا تتسربُ ذائبةً
في شمعِك المطلسم بحجةِ حبك !

قلْ للنهارِ أن يطلقَ سراحَ شمس الضحى
ليكتمل نصاب صلاتي في طهر !

الاثنين، 14 مارس 2016

سرد / نافذة وعينان








نافذة وعينان!

للذاكرة وشمٌ على جداريات العقل، إنها تسلب لبِّ الإناء من محتواه، كلما شعرتْ أنَّها محاصرة بالوجوه، وبدأتْ تكتظ في ازدحام الملامح، أفلتتْ من عقالها زمام الزمن، فتسرب كالماء من إناء الفكر، وبدأ العقل في خرف الخيال، يصَّاعد جبال الشهوة للصبا، ماضيا في كتابةٍ تاريخيةٍ لرحلة عودةٍ للوراء، لعله يٌحظى بلحظة شرفٍ، تمنح الفارس وسام استحقاق الأبدية.

عندما قرأتُ لريكور كنتُ صغيرة على الحب، لا أفقه في فهم قلبي شيئاً، وكنتُ أكبر من ثمار الشماري بقليل، مثلها تعلقتُ بشرنقة الطموح، ما إنْ رتلوا أمامي قصيدة الحياة، حتى نأيتُ إلى ركن قصيِّ، وتعبَدتُ في غار وحدتي، هنالك تجلى لي عقلي، ملكتُ منه صيرورة الآني، وعرفتُ مؤمنة أنني زهرة في أوجِّ الاكتمال، وقمة الإحساس، لكني غير صالحة للحب، وهذا العالم ليس على مقاسي، ولا يحتمله قلبي الصغير، ولمَا عشتُ الفقد، لأبي وأمي، لم أفرق عن ريكور في شيء ـ كلانا عاش يتيماً، مُبعداً عن الاقتراب من الناس، ينظر في الأخلاق كأنها غصن يتهدل من شجرة الوجود، فيعطي ثمار معرفته بلا مقابل، ويمضي ويقينه بالإنسان مزروعاً في صدره، كما الإيمان النابع من القيمة، لا من التقييم، الناتج من رحم المعاناة، والارتقاء، لا من التصفيق وميراث الأسماء، عرفتُ حينها أنني أروق للظل، أكثر من حرقة الشمس، فزرعتُ نبات الظل في بيت حكمتي!

نافذةٌ وعينان!... ومزهرية تحيط بصمتي المنزوي في ركن السؤال، يُمطرني الغيم سحابة عائمة، عيناها تصبحان في وطن، وتمسيان دمعاً متساقطاً في وطن آخر، مُهجَّرة كأي غريب، يلتحق بالقطار أخيراً، يحملني كفِّ الريح طفلةً، تتطلع من شرفات السماء فيقع بصرها على المدن العائمة في التربة الطينية، والرملية، والرطبة، أتنشق رائحتها المتطاولة لعنان السماء، ثم أجلس فوق بساطي المتواضع، وأتسربل أغنية تموج مع حفيف الشجر، ووجه البحر، وهديل اليمام، وهدير الماء، ولفح الهواء، وليبيا.. ليبيا.. أتذوقها كطعم مهلبية باللوز على شفتي ِّ المحترقتين لوعة...!

نافذةٌ وعينان!... وقلبي مشرع على مصراعيه للوجع، يصادرني الكابوس بتهمة الإسراف في الحلم، تلحقُ بي رصاصةٌ عابرة في نزق، تخترقُ سرعة الصوت، وتجبرُ الوطن على الصمت المهين، حواريات هاربة من نوافذ الحلم، مررها أرشيف الضياع عبر أبواب غير مشروعة، والناطور الذي يحرس بيوتنا لم يتغير، إنه التالي للبيانات، وللتفجيرات الانتحارية، وهو الذي يمرر لنا لصوص الأكسجين، ويسرق أنفاس الفقراء، ويتظاهر ضد تغيير الحكومات، ويقبض ثمن الاعتراضات، والوجوه تدور... تدور... رأسي كأرجوحة مُعلقة في الهواء، تسقط النسبية هنا، وتنعدم معايير الجاذبية، ويتوقف ماركوس عن إتمام أطروحته، بعد أن سيسوا عقله، وفرقعوا نظريته في قذارة المجتمعات الغارقة في وحل الرذيلة، هنالك تقع الفلسفة في قاع الاختبار، وترتقي الانتخابات على أكتاف الجهل، فكل المختارين الذين مروا من بوابة العبور للحرية، اكتشفنا أنهم بلغوا ذروة الأمية، وسرقوا من أفواهنا حقول القمح والأرز ورغيف الخبز!

نافذةٌ وعينان!... ووجه أمي يحاصرني في غرفتي، ما أطول هذه الليلة ! يمكنني أن أتوسد عراء وسادتي، وألتحفُ البرودة، يمكنني أنْ أضحك في هستيريا و أسمع صوتها الحنون ينادي اسمي في هدوء، لا توجد كفَّ آمنة، أو وجه يومئ لي بما أقول، فقدتُ وجه الروز (نبتة ظلي)، وافترقنا عند عتبة بيتنا، ظلَّت صامتة تتوحد اسمها في المبكى، كلما ذكروا لها اسمي، قالت اسقوني ماء وجودها، ردهات البيت استحالتْ من السكون بيداء قاحلة ـ من الممشى على سيمياء وجهها، يقول جارنا محمد لأخي الصغير كلما التقاه: قل لعزة أنَّ الروز تبدو مُطلة من النافذة، لكني لا أصل إليها، حاولتُ القفز وفشلتُ، الروز بخير، فماء المطر يصلها متسرباً، ولا تطالها أشعة الشمس، أردُّ عليه: قد تموت الروز إذا ارتوتْ من الماء، كما الحرية في بلادنا يا محمد! يسمع محمد مقولتي، فيعود، ويرسل لي أحلافه بسيدي عبدالقادر الفيتوري وهو والده، لا تقلقي طالما أنا موجود!

نافذةٌ وعينان!... يقفز محمد ويجلب لي الروز، ها قد جلب لي مُحبتي، واللصوص يقفزون من نوافذ الدولة، ليجلبوا لصوصاً آخرين في هجيع الليل، وشعبنا نائم، والثكالى فاقدات، والعذراوات نائحات، والفل والياسمين شباب البلد، مات بين أيدينا، شتان بينهم! محمد يُحيي نبتة، وهم يبعثون جزارين، يذبحون ليبيا عشرات المرات في كل مرة، الوطن يتناول جرعات مسكنة، وحبوب مُنومة، وإبر تجعل الأطراف في شلل تام، لا شيء يرانا، حتى الصحافة التي تشخص الوضع، حتى المقالات التي تقول الحقيقة، لم يعد يأبه بها اللصوص، لم يعد أحدٌ يقرأ، إنهم مشغولون بتقاسم نصيبهم، وأمي ترحل بلا سبب، وجارنا يفقد بصره من البكاء، وجارتنا تسقط من النواح، والبيت يتهدل، ثم يخر راكعاً على أنقاضه، والقنوات تغرد بنشيد الثورة المجيد، والمتشدقون هم هم.. في كل قناة يُعاد تدوير الوجوه، ويدور المشهد وراء المشهد!

نافذةٌ وعينان!... لك يا من أطلت في عمري، وبقائي هنا، تركت للعبير هواء يتنفس من نافذة تشرع وجهها، تلقاء مدين بلادي، كلما أوصدوا في وجهي باباً، فتحت لي أبواب السماء، وهدأ أنين المقبرة، وسكن صوت الشهيد، وزغردت ْ الأمهات، وتعالتْ صيحات الإعجاب بالشرفاء، وطالبوني برسم وجه وطني، كتبتُ، وكتبتُ، ما استطعتُ من الحب، نثرتُ حبات اللؤلؤ، زرعت حقول القمح، توهمتُ للجوري مواسم خريفية، جعلته ينمو فيها قسرا، رششتُ عطري المفضل، ولوُّحتُ بالعلم، ومن رسالة عبيرية لأخرى كنتُ حاضرة، في كل تحولات الفراشة على لحاء غربتها، سعيدةً، مجروحةً، باكيةُ، طفلةُ، امرأةُ، مراهقةُ، شاعرةُ، أتوشَّحُ حزني، وأشاهدُ في مرآتي عينان للنافذة، تريان وجهي، وتُطلان بي على شرفة وطني الصامتة، كانت ليبيا ملآى بالمآقي والدموع، وكفَّها مضرجا بالدم، ووجهها شهيد، لكن الشهيد لا يمــــوت!

الأحد، 13 مارس 2016

تجديد / مقهى في آخر الشارع








مقهى في آخر الشارع .








مثل عمود إنارة وحيد ، كان مركوناً في زاوية الشارع الطويل ، محشورا كطفل مراهق بين البيوت الكهلة القديمة ، والواجهات الغارقة في هدأة السكون ، شارعٌ ممتد كما ذراع تلتف على كتف مترهل من الخيبات ، وطول الوقوف على منصة الرصيف .

مقهى في آخر الشارع !
ورِكوة البن تغلي برائحة الجنون و اللهفة ...
للسيدة السمراء الجالسة بقميصها الأزرق بأزراره المفتوحة للريح .
لتنورتها الطويلة التي تتدلى كجديلة شعر طفلة سعيدة .
للمفكرة الغارقة في تواريخ الأيام ، و أحاديث الساعات الواقفة على ساقٍ واحدة .
للقلم الذي يتهيأ لعناق طويل الأمد ليدون مسرحية اللقاء بين الكفوف الدافئة 
على صدر المنضدة المتسع دهشة كعيون سمكة مفتوحة .
للفتى الغارق في قراءة رواية " كوخ العم توم "

مقهى في آخر الشارع !
مثل فزاعة في حقل يراوده الغرباء .
مثل مسافر يفتح ذراعيه للقدر .
مثل أيقونة تزدحم بالوجوه والاشتياق .
مثل مقصلة ذكرى تتدلى على حبالها صور البعيدين .
مثل مزهرية شدت وثاقها للنافذة المُطلة على شرفة القصر.
مثلي حين تكون أفكاري معبأة بأنين الشوق لأحضان أمي .

مقهى في آخر الشارع !
الكراسي تنصت إلى شكوى المنضدة من الخدوش على باحة صدرها .
الخدوش كانت تدوينات لأطياف مرت لإلقاء التحية على النادل الأسمر .

النادل بساق واحدة ...
وعين واحدة ...
ويد واحدة ..
يلتف حولها سلسالا يتدلى منه وسام صغير 

يتأهب كلما فتحت عيون المقهى أجفانها للزبائن للقاء حبيبته السمراء 
، التي لا تفتأ تزرع ابتساماتها حقول قمح للحاضرين .
يتناول معها قهوته المرة ، المكتسحة بعبق الأسئلة ، و أنين التذمر .
يستسلم على مضض لما تهبه شفتاها من كلمات محبة .
ثم يمضي في تلبية طلبات الزبائن ، وهو يرش رذاذ الكبرياء على شكله 

شكله الذي يقول "
إنه أقدم جنود الحرب التي خاضها السكان ضد العنصرية .

عزة ،
في بنغازي .

تجديد / سيدة الظل

    سيدة الظل .


كانتْ كلما ارتقتْ بسمو ، واختارتْ البعد عن الضوء ، أشرأب عنقها القصير للشمس ، ومدَّت أحلامها ترنو إلى حكاية تخلدها في وضح النهار ، أناملها تكبر في دعة ، تهمس للسكون برواية الصمت المهيب ثم تخبو في إناء الوحدة ، تاركة طلاء أظافرها الملون ، يزداد خضرةً في أيقونة الظل !

لسيدة الظل كل الفصول إلا من فصل ٍ ليس لها ، وهواء ً لا يتسع لرئتها الصغيرة ،
ومطر تخشى أن يرويها حباً حتى يقتل قلبها ، ومناخ يميل بمزاجه المتقلب إلى البقاء في العتمة ،
العتمة التي تبوح بكل أسرار السكون التي ألقاها بين ذراعيها .
السكون الذي سيظل يخبو ، ويتحدث همسا ، كلما استمع لهسيس الكائنات الصامتة هناك .
الهسيس لا يسمع أحداً ، لكنه يهب ُ نفسه للشفافية التي تتراءى كجدار خفيف بين العتمة والأشياء !

ظلتْ في الزاوية تكتب أبجدية الحكمة ، و أفكار الشمس تزدحم في مخيلة النبتة ، تحاول التسرب إليها من عنق الضوء ، فتمضي في حياكة طولها ، محاولة أن تزداد خضرة بيقين روح اللون ، اللون الذي لا يناله سوى من مضى حثيث الخطى ، يتصبر أفياء الظل ، و يقبل البقاء منكفئاً ، وحيداً ، يهمس للعتمة الضاربة في السواد ، و عزمه يكبر مع بلوغ النبتة أرواح الظلال ، القابعة في مفاتيح الأثير من عالم الظل .

 كان لها أصيص فسيح يرى بعين واحدة ثقوب الضوء المُتسربة إليها
 ولها عينان ونافذة مُطلة على وجع الأشياء ، مفتوحة على مصراعيها لمناخ الظلمة .
  لها أوراق تصبو كلما ران قلبها بسمو للخضرة ، فترتقي صباحا نحو بصيص النور
  وتنحني في خشوع كلما لامستْ أنامل الضوء أعناق ساقها الرفيع !
  لها روح معجونة برائحة الحناء ، و زهر اللوز ، وبياض الفجر ، وخد التفاح الأحمر ، تمازجتْ في نارنج الشكل ، لتضفي عليها    حلاوة قلَّ نظيرها .
 لها سمو الأمراء ، في ارتقاء معارج النور ، وهدأة الحكماء في خوض غمار التجارب ، و جرأة القدوم حين تتساقط في خضوع ، لتعيد تشكيل وجودها من جديد ..

خاتمان لسيدة الظل .....

خاتمٌ لحكاية الصفاء ، ودنوِ المعاني من مراتب الجزع ، ذلك الذي يجعلها تختار الصبر في لغة الظل 
بانتظار الشروق الأخير ، للحياة الساكنة بين ذراعيها .

و خاتمٌ من قلب يفيض وحدة ،
يتوحده غريب عاش مثلها ، فتوجَّس اغتراب الوجود ، من عميق البقاء وحيداً ، وناء من صيرورة الكائنات ، إلى أضعف وهنات السكون ،وذبذبات الكون ،فكتب بحبٍ اسمه على نبتة ظلٍ في ركنِ بيته !


عزة رجب
—في ‏‏‏‏بنغازي‏‏.


 أسئلة ليستْ من إنشائي!






سأغزلُ بالدمع حباتٍ لؤلؤيةٍ، تنظم من عقد القصائد أهازيج فرحٍ ليبية، أنا الواقفة على بيت القصيد... متجردة مني ـ لا من الشعر ـ صاعدة الروح فوق مؤتلق العذوبة، وماء النثر ـ متى بلغتُ ذروة المدى أعدتُ تصفيف الكلم في زخات الحلم، ورفعتُ رفَّات الهواء نحو نجوم ظلَّ نظرها صاعداً للسماء، تحني رأسها للقمر، كلما تقرَّب منها بأقباس ضوء، تقدمتْ منه زُلفى، وأحرقتْ أجنحة الفراشات كرمى عينه، وصرَّحت له بالدخول، فلما دخل محراب القصيدة، جردته من نور وجهه، وجعلته يخصف عليه من أوراق الشعر حتى بات ليلة بين أحضانها.


سأكتب أيقونات عشق، وأنثر من أريج دمعي زخات عطر ليبية الهوى، أبعثر كياني بيني وبينك طوال مسافة الوصول، وللجهات الأربع أقددُ من منديل الريح قبلات شهية الندى، رطبة الذكر باسمك، محلاة بأحمر وردي، ومحملة بأشواق حنين، ترفل فوق غربال الانتظار ضوء الشمس، تشده شعاعاً وراء شعاع، حتى تمسك أقباس النور، ثم ترميك بشذرات الشعر عشقا وراء عشق.


ما بها ليبيا تبكي مآقي الدمع مثل مآقي حبيبتك؟ لا أراني الله فيها جرحاً، يبكيها ويبكيك في عتمة الغياب، رأيتها تدمي الروح، ونبض وريدها غارق في الاختلاف، أليست جميلة حين غازلتها يد أبو التاريخ هيرودوت فأكثر عنها جميل الكلام، أليست تبدو صبية، في عيون الطامعين، حتى ليكاد النزق يلتهم جسد العذراء، والشاطيء المقابل يزحف بروية نحو رمالها، وتحت أقدامها!


لي فيك الكثير، من روح تصبرتْ الفقد، وحتى نخاع العظم أكتبُ تاريخي، في أرشيفك المخبأ بذاكرة ضوئي المتسربل من أفياء نورك العميق، هنالك عند كل ذكرى، عند كل زاوية، عند كل حرف، ثمة فتاة، وحيدة، تحتفي ببياض الملح وحدها، تغتسلُ من لهيب العشق بماء برنيق، فإذا فار قلبها بناره، أوجزتْ الأشتياق في بكاء، وألقتْ ظلها إليك، وتخلتْ عن الإنس، وسكنت لجدار، لعلها تهدأ إليه.


ما سر هذا الصوان الذي يجذبني إليه حين أفتقدك؟ وياعجبي من الركون إليه، في دفء الكلمات قد نجد من يتلقفنا، لكننا لن نجد من يبعث في أرواحنا السكينة، تلك الكلمة المسالمة، الوادعة، تترفقُ بنا متى شعرنا بالضياع، متى قادنا الاشتياق لوجه بعثره حنين المسافة، متى أطلَّ علينا من نافذة الذكرى بقينا أسرى بلا احتلال، سقطنا موتى وصرعى الانتظار، دفنَّا أشواق الوجد تحت تراب القلب وترجمت الدمعة كل شيء.


ما ضرهم لو بحثتُ عنك، ووجدتك أمامي، بلا تعب، وبلا عتاب يرتسم على وجهي؟ وما ضرهم لو ناديتك فأتيت بسرعة الضوء ـ و ألقيت لي بكفِّ صديق، وذكرت لي ملمات ألمتْ بك، وبشائر فرح أحاطت بحديقتك الغناء؟ ماضرها الحياة لو ابتسمتْ، وضحكتْ لنا ملء شدقيها، وأناخت ْ برحال الإرهاق والنصب عنا، هنالك ثمة أغانٍ في البوح تقبع في قلبي وددتُ لو قلتها لك، وهنا في عمقي ثمة صرير يؤزني، يقرصني، ليدعوني لأن أصرخ، غير أنها صرخة غصَّت في كلمات كثيرة، أوجزها صمتي في إيماءات لا مبالية.


ما دعاك للغياب عني أيها الفرح، أيها الوجه الواقع بين الظل والضوء، أتوسلك ألا تحدثني عن كارل ماركس وعقله مثقوب من بدعة كسادنا العقلي، ولاتحدثني عن أفلاطون وهو واقع في حيرةٍ بين صداقة الحق، وصداقة أرسطو، ولاتحدثني عن كانط وهو يقول دعوها تمشي للفرح، ولا تبحثوا أسباب الفقد، ولاتحدثني عن الحتمية التاريخية للحزن، كي لا يصرخ بي آينشتاين متعللاً بالنسبية، وحتى لا أفقد وجهك حين أشتاقك، حدثني عن ريكور حين يتحفني ويهزني للعمق، ويقول لي أنت ياحبيبتي في تاريخي، وسردي، ووجودي، وزماني، نعم اروِ قلبي برواء العقل، فأنا لستُ أنثى ترضيها سهولة المقولات، ولست أنطق عن هوى الحكايات، ولست أكابر بروحي عن سائر المخلوقات! لكني حين أستكشفُ يروقني تحسس الملامح قبل أن أقرأ ألباب الموجودات.


هاهي زليخة يوسف تُطل علينا... ما جزاء من غاب عن حبيبته؟ سوى السجن لسنين بين جفنيها، والحبس الانفرادي في قلبها العميق، ًوالامتناع عن ملاقاة الناس، والبقاء في جوع لها طوال ماغاب من سنين، دعني لعزيز زمانه أحتكم إليه فيك، أيها النخيل المتطاول في الغياب، ودع تفاحة خضراء حاضرة بيني وبينك، لنكتب سواء نظرية واقعة بين نيوتن وآينشتاين، فللجاذبية حكاية ثالثة، تقرؤها العيون المتعبة من السهر، والأهداب المغلقة من حديث الشوق، والجفون الملقاة على كاهل الليل، والقلوب التي أذاقها الحنين ويلات الفراق، وصولات السنين، ورباط الوريد للوريد مشدودٌ بأوتار عشق لا يمــوت.

بنغازي 2015

السبت، 12 مارس 2016

شعر / فاكهةُ الحرمان

فاكهةُ الحرمان




1/
حِصاني يَجولُ أفياء ذاكرةٍ مُحترقة الضوء
خيباتُ أملي تحاصرني!!
حوافرها مُحدَّبة تجذبُ أديمَ الأرضِ لِرائحةِ الْمسير،
وغربةٌ تسكنني....
تقرأُ مُعلَّقة الْوحدة على جدار روحي!

2/
الصمتُ: أحدُ عناوين أخباري...
ردودُ أفعالي: كصحراء أوهنها الترحال فوق
مجاهل وجهها!!
جُملٌ مفصولةٌ أنا، باستفهامات السكون وتعجب المآقي!
دمعتي عزيزةٌ.....
أوصدتْ أبوابها في وجه الفضول!!
والحرمانُ فاكهتي المُفضلة!!ّ

3/
الليلُ إذا دخل بابي، خلع ملابس الَّسواد،
ملتحفاً ببياضِ حزني،
وبلا ترددٍ يرميني لقميص أشواقي،
حيثُ قد يرتدُني ضوئي فيراني،
أقتبسُ منه مسيرة روح ألقتْ أسفارها فوق معراج الصفاء!
و حنيني صَّبارةً نبتتْ على عتبة شفاهي!!

4/
ضحكاتي خاويةً،
أُسرجها له فوق أصفرار أمنياتي،
أُهديه أعاصيري النَّهارية الصَّامتة،
قبلاتٌ برهانها العُجبة من زخم الكلمات،
رشفاتٍ من أحاديث السَّمر ألتقطُها باسمةً دون أن أتكلم!
وحين أتوحدُني....
يتلقفني حائط المبكى في خيالاتِ يستحي منها ظلي!
والغربةُ عناقيد عنبٍ تلتقطها روحي!!!

5/
عيناي.......
تبحثان عن وجهٍ حُرمتْ تقاطيع الزهو فيه.
مرفوداً إحساسي بلا مواربة........!
منفيةً أنا بحثاً عنه
في مدارات تعوسجتْ أمنياتها ــ فشكَّتْ أديم جراحي
غائبٌ أنت أيُّها النَّهارُ عن فجري المفقود
والوحدة تفاحتي المُفضَّلة !

 
اللوحة للفنانة التشيكلية رؤى بازركان

الجمعة، 11 مارس 2016

شعر / عن الطفلة باريـــــس !


عن الطفلة باريـــــس!





باريس على مرمى حجر، ومرمى طيش ونزق!. لباريس عيونٌ زرقاء، وشعرٌ رمادي، وللخمر على شفتيها مذاق العنب، لها قرطان متلألئان، وعنق طويل يوازي كفِّ البحر، لباريس قدمان تضربان في صحرائنا الكبرى، وسكارى ينامون في الضوء، يدقون عنق الليل بزجاجة كونياك معتقة، لها معطف فرو يتهدل بارتخاء، فوق الأكتاف المتعبة من العشق، لها نرد الشهوات، والراين ـ بطوله الفارع ـ والشرفات الفاغرة أفواهها في عيون الماء الأزرق، لها نافذة اللوفر المُطلة على العالم، وقبعة بونابرت، ومومياوات قابعة في صمت!

لباريس أجساد طرية، تتشكل كل صباح، كالخبز الفاخر، والبن المنكَّه، مصنوعةً من هوس الصلصال المجنون، تتمايل في غنج الماركات والعلامات المسجلة، لها شانيل، وبورجوا، وإيف سان لوران، وشارع إليسا حيث العشق حكاية كل صباح ومساء، لها رائحة السجائر المنطفئة بلوعة، في رماد الأجساد المحترقة غربة ً، وأجنحة من ضوء، ترفل حتى شواطيء جنوب المتوسط، تجوب الصحارى، وتلتهم في خزانتها كل المنافي.

في باريس يستيقظ الإبداع على المقص، وخياطة الفساتين، وتأليه الأجساد الناحلة، والقبعات الممهورة باسم كريستيان ديور، وينام على زجاجة عطر فرنسية، تتصدر بأشكالها الغريبة، أخبار الصحف العالمية، لا تعرف باريس السكاكين الخشنة في بلادها، ولا يحتمل دلالها أفلام الرعب الحمراء، ولا يستوعب صدرها النافر فكرة الاعتداء!

لباريس ماضٍ، حاضر الترف، كحلوى ترافل، أو سوكسيه، يرفس بقدميه حرية الشعوب، ويحتل المدن الغارقة في سبات الجهل، ليقول لها بونجور، هذا عطر فرنسي فاخر، وبعض رذاذ النازية، ثم تغرف بيديها الغضتين ما تشاء من أرواح، وتترك للإبداع مشيئته، في صنع حلوى المقاصل، والمشانق، و تشكيل عملات جديدة، و أحكام الإعدام، من فئة عرب.

نسيتْ باريس ذاكرتها ترفل، في عقول السائحين، لتمخضَ في قلوبهم حرقة وأنيناً، وتمخرَ في عباب الذكرى، صور ملايين الموتى، الذين عبرتْ ـ فوق أجسادهم ـ سيدة معطف الفراء، وريش الطاووس المنفوش، لا يمحو الشّانزليزيهْ من عقل سائح ذكرياته، ولا يمنح الإليزيه لرؤسائه سوى زهرة "لا تنْسَني".

وكعروس أوروبية تتقدمُ منصة الكهان، وتسردُ التاريخ في طرحة فستان، يقول الكاهن في قسم العروسين: لا تتركوا صبية، ولا طفلاً حياً، وإذا عاد عسكري منكم بأسير عربي، فالجلد مصيره، ويمضي مونتانياك في تطبيق الوصية الشرهة للدم، فيطلق قطعان الجنرال لاموريسيير وراء كل جزائري، ومن قبله، وراء كل عربي تعطرتْ باريس بحناء داره!

لباريس أنيابٌ دموية، تقضم الأطفال، ليسبتوا في بطنها، وللرازيا طعم الشكولا الفرنسية، ولجان سارتر قميصُ براءة أبيض ـ تلقاء كل من عذبهم غنج باريس، وهوى الطفلة المدللة، له الصوت، وله الإنسانية، وله الحقيقة التاريخية..

هوامش
- اللوفر: متحف فرنسي يعجُّ بالآثار والمسروقات التي جلبها بونابرت من مصر.
- الراين: اسم نهر فرنسي.
- شانيل، بورجوا، إيف سان لوران: علامات عالمية مسجلة لأسماء عطور ودُور أزياء فرنسية.
- إليسا: شارع مشهور في باريس أُطلق على حبيبة الشاعر لويس أراغون.
- كريستيان ديور: أشهر دار أزياء فرنسية.
- ترافل، سوكسيه: حلوى فرنسية مشهورة.
- بونجور: تحية فرنسية.
- القسم: حقيقة تاريخية حين كان لبعض الكهان دورهم في حث الجيش الفرنسي على إبادة الجزائريين.
- مونتانياك: الجنزال الفرنسي الذي له تاريخ أسود في مجازر الجزائر.
- الجنرال لاموريسيير: منفذ جرائم مونتانياك.
- الرازيا: نظام تم تطبيقه لتمويل الجيش الفرنسي من قوت أهل القري الجزائرية بعد نحرها بأهلها.
- جان سارتر: فيلسوف فرنسي له مقوله شهيرة "من يمسح عارنا في الجزائر".
- الشّانزليزيهْ: شارع فرنسي مشهور بجلب السواح له.
- الإليزيه: قصر الرئاسة الفرنسية.
لا تنْسَني: زهرة نادرة زرقاء لها عدة أسماء ويقال إن مجموعة "فرسان الهيكل" التي اشتهرت بوحشيتِها اتخذت الزهرةَ رمزًا لها ـ خلال احتلال القدس.

الأربعاء، 9 مارس 2016

شعر/ مقاطع متمردة لنصِّ كافرٍ







1. إبداع 


حرفٌ وشعرٌ ونثرٌ .....
وشذراتُ ماءٍ ودخانٍ 
كلمٌ معسجد ، وصفيحةُ فضة 
يُمطرني قصائد محلاةً بألفٍ ولامٍ وميمٍ 
كغيوم "أرفلون!!" 

2.

نقيضان أنا و أنت ....
قصيدتان .....
قال لي : أنا أشعرُ
قلتُ : و أنا أنثرُ
له نجومه ، ولي قمري 
يتكلمُ بحور الشعر ....
والمحيـــــــــــــــــــــطُ لي 

3.
تعال! 
نستمطرُ هرطقات بيتهوفن فوق غيم "هيعون" 
نهادنُ بين شيطان وعفريت .....
بلقيس تصطادُ أخبار الهدهد 
وتُلقي ببذرة الصَّلاح 
فتسجدُ للشمس 
ويسجدُ قومها 
والقبلةُ تشكو انحراف الشفاه 
والصرحُ الُممرد استحال لُجةً 
أومضتْ بسذاجةِ اللقاء بين معبودين 

4. 
أيُّها العالمُ :
صائمة ٌ أنا عن العودة إليك 
سأحجُ إليك أربعين صباحاً تابعةً وتبيع 
عمياء لم تشهدْ ضوء الشمس 
ولمْ ينجبْها رحمُ النَّهار 
و أعتمرُ ملامح وجهك طوافاً 
و أغتسلُ بمحجر عينيك 
وأرجمك كلمة ، وراء كلمة 

5. 

مضغة الحياة أنثى 
في فم التكوين 
لم تلعنْ الآلهة "سيكـــي"
حين خرجتْ من دهشة الضلع الأعوج 
حملهُ كاهلها ..بدمعةٍ طيوبٍ 
و ابتسامة تطارحتْ وغرام الطفولة 
براءة الوجود ، 
مستعجلاً رمى لها بحجر الصبر 
فاستحالتْ آلهةً في سفر حياته 

6.
أيُّها الرجال :
شهقاتٌ من رحم الولادة الْبيضاء 
تخرجُ في صرخة ٍ مكبوتةٍ 
وعيونُ الحياة كسمكةٍ خرجتْ 
من ملح الْكينونة 
الأشياءُ تتغيرُ 
ضحكاتٌ محصورةً بين شهقيتن 
ورصيفُ الولادة يقرأُ ملامح البرج الشمسي 
فيما القمرُ يضحكُ ساخراً من طواف الْعراجين 
على بيوت زوجاته الاثنتي عشر 
كلُّ أعجازُ نخلكم خاوية 
بفكرٍ مُنقعر 

7. لمــــــاذا ؟؟؟
يأخذون لون الورد، ويعطونه للـــرماد 
جماجمنا تُباركها كذباتُ أحوال الطقس 
لا علاقة بين التَّفاضل وقوانين التَّكامل 
يُسيَّرون الْحياة بدرجات الحرارة 
تحت الصفر 
فوق الصفر 
هذا الوجعُ مُخنِّث 
وهذا النصٌ كــافرٌ 
والطفولة فحمُ، ومدفأة السياسة 
هذه الثقافة عهرتْ بحجة الإبداع 
هذه الذاكراة تشذيب لحديقة الأفعال 
هذه المومس اختصرتْ مواسم الطمى في ساعة شبق !
وهذا الزمن يعيدُ ترتيب أولويات الفداحة !!!