الأحد، 20 نوفمبر 2016

عبير وردٍ ملغوم بالفلسفة








• حين يتوقف نبضي عن الحياة، وينامُ الشعور بالأصدقاء،تستيقظ أحزاني من سبات الليل، وتظل تنهش قلبي بأسئلة الحنين، هنالك أنسى روحي عند اللانقطة، وأحتفي بالوحدة والعزلة كمقاتلة قديمة، سئمتْ من التناسي، وفلسفة حسن الظن، تصلحُ نبتة ظل منكفئة، وتصلحُ طفلة تنتظر حلوى غزل البنات، وتصلحُ فتاة روضةٍ  بذاكرةٍ ممحية، وتصلحُ مراهقةَ همَّها شراء هاتف الآيفون، وتصلحُ مقامرة على وصول الإنسان للمريخ، للخروج من هذا العالم المليء بالخداع، والمجاملات، والنفاق، والعنصرية التي مارستها ضدي أقرب صديقاتي الرافعات لشعار الثقافة.


• لايجوز في هذه اللحظة إلا أوقف سيارتي، وأطلب من نادل المقهى المنزوي وحيدا، فنجان قهوة بنغازية، تعيد لي رائحة روحي، التي غابت بين زحام الوجوه منذ أيام، كانت بنغازي ترطن بأصوات القذائف، وتتدفأ بالأدخنة المتصاعدة شمالها، وغربها، الشريط الساحلي طويل  متعرج  ينفث الغضب، الناتج من  زكام الرصاص، وحواريات العشوائي التي تلقي برسائلها النصية، على الأحياء القريبة من محور الصابري، وسوق الحوت، سرتُ على آبهة لأبواق السيارات، ولا للطابور الممتد أمامي ـ الذي يعبر ويجول هذه الشرايين المتقطعة من بنغازي، لايلوي على حياة، ولايأبه لأمر الموت ـ تعلمت هذا في هذه المدينة، ألاَّ أخرج إلا و روحي في كفي، وفي كفي الثانية قهوتي المجنونة، وعقلي تدور رحاه كما الحرب، ينظر لبنغازي وهي تتنفس من رئة البحر، ويسأل الله ألا تختنق من الضباب، وعجاج الساسة، لقد بصق البحر في وجوههم عشرات المرات، لكن وجوههم (صاحَّة)، وباردة، قالت لي إحدى السبخات في حكمة بالغة: أعلم أنَّك مازلت تسيرين حافية، فوق صدر الملح، وأعرف أنك تتداوين من بياضي، وتنكأين جراحك بذر الملح عليها، أنا لا أنسى من يحبني، لكني أرمي بالحصى، كل من حاقت به لعنتي، وهؤلاء لا يليق بهم سوى ابتلاع البحر لهم.

• كنتُ أنتظر أن يتجشأ بحر بنغازي الشمالي، كي يلفظ الكثير من الأسرار المعبأة في جعبته لكني عوضا عن ذلك وجدت فكري يتجه لثنائيات الذاكرة والنسيان، واللعنة والبركة، والنعمة والنقمة، والشرعية واللاشرعية، والأوفياء والخونة، والثواب والعقاب، ونحن وأنتم، والشرق والغرب، والمنطق واللا منطق، تنهَّدتُ وأنا أعلم لأي درجة نحن غارقين في القمع والاضطهاد الفكري، والعنف العقلي، والمساواة والعنصرية، فحين تتحول أدوات المعرفة لهذا الاتجاه، يصبح إصدار الأحكام حالة جدلية، وليس نتاجاً معرفياً، يشرح الظاهرة والمفهوم،  وتتحول الثنائيات بدلا من منطق التمييز، إلى منطق المخايرة، حتى يصعب أن نأتي بالحلول، مادام كل طرف يختار نفسه على الآخر، وبالطبع هذا ليس علاجاً ناجعاً لمنطق الثنائيات إذا أردنا أن نفلسفها طبقاً للمعرفة العلمية، والخلاقة، التي ثمارها الإنسان ولا شيء غيره.

• كان آينشتاين يحضرني، و يقول لي لابد للفعل الأخلاقي أن يأتي بقوة، ويعتمد على قوة المعرفة في إنسانوية فلسفة الثنائيات، بحيث تُناقش من باب التعاطف الإنساني، والرابط الاجتماعي، والمنظور الأخلاقي، مهملاً الدين باعتباره مأزقاً يضع الإنسان في موقف حرج أخلاقيا، أما نحن بشرقنا وغربنا فقد تجاوزنا المأزق ـ وخرجنا منه إلى اللامأزق، بالرضا عن الثنائيات والبقاء في هذا الوضع الفصامي حتى ساعة قيام آينشتاين من قبره.

• وهآنذا أخرج من جزيرة الدوران قرب نادي الشمال في بنغازي، لأدخل في زحام الأسئلة ووجه ريكور يُطل من الزجاج، متسائلاً عن فقدي الكثير من نشاطي، وتأخري في الكتابة، والتزامي الصمت، وبقائي وحيدة، مبعدة، مقصية في ركن بيتنا، مكتفية بمراقبة عيون النوافذ، وألسنة الأبواب التي تعشَّبت من الدعاء لله بالفتح، والنصر، فيرد هايدغرعن سؤال ريكور ليقول له أن القلق ظاهرة طبيعية، ولابد لها أن تقلق حتى تثمر الكتابة بمبادئها الخلاقة، ومناحيها المتعددة، هناااك في الزاوية البعيدة كان هيغل يراقب الحوار في سخرية ماحقة، جعلتني أنكفيء على نفسي في خجل، وأغلق باب عقلي، فثمة مذاهب تتحشَّد في رأسي، وهيجل يرفض مناحي تفكيري، ليقول لي عزة الفلسفة أن نقول مالايمكن أن يُقال! لكني أجبته في قرارة نفسي: أليست الحالة الليبية كذلك؟

• ماذا عن قلبي الذي سقط على غفلة مني، في ميناء مهجور، يبحث عن هواء صالح، لتربة مالحة، وماء يروي قصة المدينة التي تتنفس من رئة البحر، ماذا عن روح تتخبط داخلي، وتعيش كفراشة قريبة من النور، تقترب وتخشى الاحتراق، تغترب وتخشى الانطواء، تفترش لحاء الشجر، لتتوحد في غربة ذاتٍ عميقة، وبعيدة المدى، ماذا عن سلام أبيض يرفرف في القلب، وبياض روح تنتظر الوطن، وبوادر نصر تلوح في الأفق، ماذا عن طائر النورس، ومالك الحزين، ونافذة وعينان، ووحيدا مثلي، وقبل أن يشيخ البحر، والذي  لايموت، وأسئلة ليست من إنشائي، وليبيا المستقبل.

• آآآه سأبقى كمواطنة ليبية متجذرة في طين هذه الأرض، وألون جداري، وأستمر في زرع أصص الزهور، وأدعو للإنسان، وأنسنة كل شيء، لأن هذا طريق الخلاص من التمييز، والطائفية، والمذهبية، والعنصرية، والحروب القائمة فيما بين ثنائيات الشعب الواحد، سأبقى لطالما بقيت طواحين دون كيخوت، هاهو يُقبل متسائلا: أمازلت تحلمين بليبيا الجميلة أن تعود؟
• أوقفتُ سيارتي، عند وصولي لتقاطع الجزيرة الثانية بعد نادي الشمال، وبين التقاطعات الأربعة كانت الفلسفة تحاصرني من جديد، وكنتُ أريد النزول من سيارتي، لولا أن أحدهم أطلَّ من نافذة سيارته مُعلقاً: يا أستاذة حتى تكون طريقة إيقافك للسيارة مثالية، يجب أن تتقدمي عن دائرة الجزيرة قليلا، تأخذي الطريق على بعد مسافة، وألتفتُّ إليه، وإذا بمدينة أفلاطون المثالية تبرق كفكرة من رأسي، لأجدني أجيب عن سؤال دون كيخوت: نعم… أحلم بليبيا وإن كانت المثالية بعيدة لكني مثلك أفلاطونية بعض المرات… ستأتي ليبيا… وبعدها نفكر في المثالية حين نجد أنفسنا قد وصلنا إلى اللامثالي

ذات تخاطر معهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق