الجمعة، 2 سبتمبر 2016

و أمنحُ نباتات ظلي أسماء الملكات ........











و أمنحُ نباتات ظلي أسماء الملكات ........


ألملمُ ما تبقَّى من زجاجة العطر المكسورة، أغمس قطعة  القطن في السائل المُنساب على الأرض ، يهفُّ قلبي ، ويرتجي خاطري رائحة  الوطن ، كلما تذكرت ذلك ترتعش فرائصي، لتقع  فريسة الشك ، والحيرة ، يأخذني السرحان عن كينونة اللحظة و أعدو بذاكرتي وراء الصور ...

* الوقتُ عملةٌ صدئةٌ ، يرفض الكل التعامل بها ، الشحوبُ يعتلي التواريخ ، التاريخُ يلفظ أباه هيرودوت خارج زمنية الحياة في ليبيا ، شوهوا كتابات الجدران ، وكذَّبوا حقائق الأزل ، و شككوا في بنوة الليبي من تربة وطنه ،  الحوارات كالخبز اليابس ، تجفَّفتْ تحت الشمس ، حتى صارت هشَّة ، سهلة الكسر ، ظلي مفقودٌ من شخصي منذ 2011  يرتطم بالأرض كلما دفعه أحد لي  دفعته بعيدا عني ، بحجة أن روحي لا تتسع له معي ، أشجار تخرج من رأسي ، تنبت أسئلة تتعشب ، تتجه للأعلى ، يقولون أن (الأعلى) في بلادنا لا يرى سوى وجهه في المرآة ، لذا تتعثر أشجاري وتعود لتتقوقع داخل محيطها  أليس هذا ما فعلته بنا كلنا فبراير المجيدة ؟ جعلتنا نتعثر بظلالنا كلما تقدمنا أماماً ...

*هآنذا بين معقوفتين أضع سؤالي الكبير، لماذا لا يتفاهمون؟ لماذا لا يتركون المعادن، وصوت قرقعة السلاح، ويتجهون للإعلام، ويصرخون هناك في اتجاه معاكس على قدر ما يملكون من حناجر، لماذا لا يذهبون للصحراء، ويريحون رأسي من البحث عن مسكنات؟ لماذا لا يخلعون قمصانهم ويقيمون مباراة  البقاء للأقوى ، ويوفرون علينا الانتظار ، وتجرع الأزمات ، وتنفُّس ثاني أكسيد البكاء ، وثالث أكسجين الفقد ، سؤالي الكبير بحياتي وعمري أنا فتاة الجيل السبعيني ، المدفون تحت أنقاض الملكية ، و سجون  سبتمبر ، الجيل الذي تجرَّع زكام السياسة الليبية ، ودُفن حياً تحت ركام الزمن الذي سقط سهواً من جراب الساحر الكبير ، الجيل الذي كتب الرواية ، وتنفَّس الشعر ، وهرطق بمشاكله في المقالات ، وبين حكايات القصص ، فدخل السجون الفكرية ، جيل العتمة ، والزوايا القصية ، جيل الحانات المنزلية ، المثقف في الظلمة الذي أخرجه نور فبراير ولكن سرعان ما تلقفه غبار النخب العالقة بين الكراسي و أنقاض الوطن .

* يا  أنتم !!! ما زلتُ أكتب من هنا ...أصرخُ بلطف ،أنادي على نوميديا ، وآرتفيلا ، و جليانا ، وبرنيق ، وحدهن  ملكات في طباعهن، وعقولهن ، ودهائهن ،  وهبن عشقهن لليبيا ، ومنحن أعمارهن لروحها ، بلا كلل عملن من أجل التكريس لوجودها ....

* يا الله ...مازال  عطري ينساب على الأرض، يسترسل في زحفه ،  مازال الدم الليبي يسيل ، لكنه ليس عطراً، إنه شريان هذه الأرض، ونبضها، إنه ياسمين الشوارع، وغرس الحدائق المخضرة، إنه الورد البلدي، وساعد الوطن، ينزف كنفط ليبيا،  ويذهب هباء منثوراً بين أحلام الكراسي، وربطات العنق، بين آيات التحريم، وسُور الجهاد، بين شجب البيانات، وتأييد الحكومات، بين حاجب الفدية، وناطور الإخفاء القسري .                                                                                          
* أُحيل الحوارات الجوفاء، الممتلئة برائحة الرطوبة إلى خبز محمص، أغمسه في الزبد والعسل، ليبدو لذيذا ومفرحاً في صباحاتي المُبللة بحنين الوطن.

 * أنسى المشاجبات السياسية بين الأقطاب المتنافرة، أجلب بالونا ، وكمشعوذة أتمتم فيه بما تبادلوه من تهم وكلمات، ثم أصعد سطح بيتي وأنفخ البالون، أطيره في الهواء ليذهب النحس لدولة أخرى.

* أتابع أنباء الخطف ، والتورية خلف الأزقة  ، والإخفاء القسري لأبناء بلدي ، فأنزوي وحيدة متسائلة  عن كيفية قيام ليبيا من الخارج وهي في الداخل تعجُّ بطوابير النمل التي تلتهم سكان البيت ، أحاول أن أبتكر طريقة  لقياس عذرية الشمس ، التي ترمز للحريات ، للأبدية الإلهية فأقع في شراك الغربال ، الذي يقول لي يا سيدتي لا يمكن أن نتحجج بأي عذر ، إن بداية الدولة تعني بداية الإنسان داخلها ، وكل هذا هرج ومرج ، لا أملك أن أغطي به عين الشمس ...

* أقرأ في فيس بوك فتاوى دار الإفتاء، أتوجس شراً من انقطاع التيار الكهربي، فأسأل الله أن ينير عقلي، أهمُّ بأن أشعل شمعة ألعن بها الليل الدامس ، أرفع كفي الصغيرة كعجوز فتية وأقول  اللهم ثبِّت رؤيا المتحرين لدولة ليبيا ، اللهم لا تزغ أبصارهم وقلوبهم.
* ألملم ما تبقى لي من حلم ليبي ، فأجمع ما يمكنني من أزرار الوقت، لأداهم بها سلالة اليأس ،  أحشو جوف الليل بقمر يضيء القصيدة  في قلبي ، وينثر أشعار  الفضة  فوق صدر الوطن ، أزرع نبتة ظل جديدة ، أمنحها اسماً لشهيد جديد ، أجعل نباتات الظل متراصفة قرب بعض ، أقول لها أنتِ من هذه التربة ، وذلك الطين ، أنتِ ليبية ، فقط ليبية  ، أشعر حينها أنها تجفل وترمقني بعين السؤال ، آآه يبدو أن أفكار الوسوسة داهتمها هي أيضا ،  فأقول لها لا أريد أن أسمع أسماء جهوية ، أو مناطقية ، تردني عيون السؤال في أعين نباتاتي ، فأقول لهن أنتن ملكات ، آرتفيلا ، و نوميديا ، وبرنيق ، و إريناس ،أنتن أفضل من عشرات الرجال ، لأنكن قدمتن ليبيا للعالم دولة لا ينقص حواشيها حرف ، ولا يتجرأ كائن على النيل من اسمها بشائنة ، ترتفع أعناق نباتات ظلي أراها ترنو للضوء ، و أرنو ورائها لأرى ليبيا كما يزهو بها قلبي ...     

  مهما تحاولون أيُّها الساسة أن تطفئوا ضوء الحياة في قُرة العين ، ومهجة القلب ، لا تستطيعون أن تسلبوا من مواطنة عادية  حلم قيام ليبيا ، ليبيا التي بها أشعل ضوء قصائدي ، وكم اغتلتُ بنبالها من ألم ، حتى لا يزهو  لكم حزنها ....

عبير الورد 

ذات حوار مع نباتات ظلي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق