أنا التي أسرجتُ حصان الليل ، و أطلقت العنان لخيولِ السؤال نحو مُقل الإجابات ِ، أدورُ بين حانات المدينة والمقاهي الملقاة على أكتافِ الرصيف تائهةً ، أُشعلُ فتيلَ الغياب لأبحثَ عمن تاهوا بين مسارب المسافات والغبار ، أترك بدايات النهار لعبور الضوء ، مُحلقة ً على جناح عنقاء ، انبعث جسدها من أمم الرماد !
مازلتُ صديقةَ الوحدة ، رفيقةَ العتمة التي لا تسمح للضوء بالتعارف معها ، مازلت ُأرافق الأواني الغارقة في لهجات الطين ، أستحضرُ في هدوئها حديث أمي ، ولغة الصلصال ، مازلتُ صديقة الشجرة العجوز في حديقتي ، أُُسند رأسي إلى هيكلها العظمي ، و أعدها ألاَّ أحولها لمقاعد ومناضد حزينة ، مازلتُ أغمرُ كفي لأغيبَ في تواريخ التقاويم ، أبتسمُ عن يومٍ ذهب كورقة خريف ٍمُصفَّرة ، أتذكرُ فيه مَنْ حملوا أمتعة الرحيل إلى مدن لا تنبس ببنت شفة ، مدنٌ تخضع لمناسك الغبار ، وطقوس السكون الأبدي !
أنا التي تركتِ اللوحات عالقةً على الجدار ، أحاديث لبيكاسو قتلتها رهبانية السؤال :
عن القتلِ ، عن الخراب ، و الهجرة ، و الفراق ، عن الرحيل ، وعن الإرهاب ،
عن أعشاش بلا طيور ، وبيوتٍ حاصرتها شيخوخة التراب !
أنا المبللةُ بأحاديث المساء ، وحنين الصباحات الغائمة للمطر ، اشتياقُ العصفور للنافذة ، توقُ الكرسي الوحيد على الشاطيء لحديث الغريب ، اجترارُ الذكريات لموج البحر ، اكتراثُ الأزهار الذابلة للبلل !
مازلتُ أغردُ خارج سرب الوقت ، أحملُ ظلي على الرصيف المعبأ بأسئلة المارة ، و أبارك علاقة العشق بين كرسي المقهى وعمود الإنارة القريب ، مازلتُ أُجالس المناضد الوحيدة ، الغائبة في عتاب الغرباء ، أدندنُ لها بموسيقى الناي ، والعود ، والكمان ، أصيخ سمعي لشكواها ، ثم أعترفُ لها بأنهم أبناؤها الذين سلبناهم عنوةً من لبِّها ، مازلت أشبهُ ظلي ، أتسربلُ في المدن الضائعة دونما هوية مكان ، أمضي ويقيني في قلبي ، أنني إنسان ...أنني إنسان ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق