لا أعرف من ستخرج الحرب من رأسي ؟ ومتى ستغادر ذكرياتي ؟ ومتى سيعتصرها الفرح حتى تنكمش ، تقول لي صديقتي سارة : إذا حدث و انكمشت الحرب ، فسوف تتحول أمعاؤها لوحش جائع ، لا يُبقي ولا يذر !
ربما قرأت سارة عن نظرية التشاؤم لمالتوس ، وقررت أنَّ الحروب شر لابد منه ، للحفاظ على توازن السكان ، وتوازن العقول .
و من شدة رفق الله بنا أخذ الحروب في نزهة قصيرة بين حين وآخر ، فاسترحنا من صوت رصاصها ، ومن مقت ساستها ، ومن تذمرهم ..
ذات نزهةٍ صرخت سارة مشدوهة ، وهي تلقي بلوح الشكولا التي أعشق : جارنا السياسي يزور محلا للزهور !??
شكَّل هذا الخبر صدمة كبيرة لي ، وتصورت جارنا السياسي وهو يغازل زوجته ، ويلاطف بناته ، و يقدم لهن الورد ، برائحة الدماء التي اقترفتها يداه ، في حق المدنيين بمدينتي !
لا أعلم لي ملتجأ ، ولا ملاذا سوى ألبوم لصور قديمة ، كي أهرب من صوت النازح الذي بدأ صباحه قسماً على زوجته بيمين الطلاق ، ومن الهراء السياسي الذي يصدح من قنوات الراديو ، و العصابات التي تقودنا نحو البراري ، والمحميات الأممية !
في هذه البلاد لم يعد يوجد وقت للحب ، ووقت للحديث عن أشياء جميلة ، أغلب الذين عرفتهم في حينا’ وفي شارعنا التهمتهم قذيفة في غمضة عين ، فذهبوا بلمح البصر ، صاحب محل البقالة ، وثلة من الأطفال ، و بعض الشيوخ الذين كانوا يباركون خبز أيامنا بدعائهم لنا ، لا يوجد وقت للحديث عن زواج ، أو حفل خطوبة ، أو حتى مقلب يحصل لصديق تُحدث به صديقا آخر ، ولسوء الحظ ، أصبحت ذاكرتنا مبتورة ، و أجزاء منها مقطوعة ، صارت كل ذكرياتنا غير مكتملة ، يغيب فيها شخص ، أو حبيب ، أو ابن ، أو صديق ، أو جار ، بل أنَّ المواقف اليومية لم تعد سوى فيلم بألوان الأبيض والأسود .....امتص الحزن كل الألوان الأخرى لحياتنا ، فأصبح وجهه قديما ومتآكلا ..حتى كأنه خردة !
ـــــــ
سرد مفتوح