خد الليل أسيلُ، ونهد قصائدي نافر، يعربد في وحشية، يكتنزُ شهيق الكلمات على غير هدى، يختزل تذمره في احتقانات مُندسة بين دهاليز نصوصي، كلما كتبتُ حرفاً، سكبتُ قارورة اللهفة على بياض النَّص، ثم تركتُ لرائحة الوطن تجوس محيا الجرح، تتلمَّس عمق الشرخ، وتمضي غير آبهة بما طال نسغ القصائد من تأوهات ، وحده اليقين يهبنا الضوء، وحده يُوقد قناديل العيون المطفأة، ويشعل النور في آخر النفق ، وحده اليقين بالله قارع طفرة الشك داخلنا ،فأشرع نوافذه صوب الشمس، وتيقَّن من استدارة تفاحة أفكارنا النبيلة، وقبولنا بحقيقة الاختلاف ، يمكنك أن ترى مركز الدائرة ، وبنفس المسافة ، اتفق معك الآخر، أم اختلف ، أنت لا تملك سوى الوقت الذي تكرسه من أجلك ، أو تهدره من عمرك، أنت لا تملك سوى أحلام ، ومظلات قديمة تريد لها البقاء ورصيف في شارع، لتجلس عليه، و أرض لتسير عليها ، وبقعة مربعة في الليل ، ترتمي فوقها لتنام ، أنت لا تملك سوى حفنة أمنيات ، وتطلعات، ورؤى ،كبرتْ معك في جُعبة الوقت ،تدثرت بالانتظار، وتلفَّعت بالصبر ، وتفيأت جدار الظل ، حتى انداح فوق زمنها دعاء الاستمطار .
*الاستمطار الذي يعني أن تقاوم ـ بالتوسل ـ الغيم المعتم داخلك، أن تجعل صبرك يتصدر وجه غيمة، ترتكب في حقها كل أسنَّة الكلمات، لترسلها حتى تضع حملها، هآنت على مرمى فرح ، وقاب قوسين من فرج تشهد ولادة المطر ، تلعن ستائر الظلام التي انسدلت فيك ، ترفع الحجاب عن الرؤية ، تسمح للنور، بالتسلل فيك ، فيمن حولك ، تمضي باليقين، لتشهد ولادات أخرى للأمل فوق سيمياء الأرض ، تداهم سلالة اليأس ، بأنفاس من ضوء ..
*لا تقل لي أنك لا تملك الوقت الكثير، و أنَّ ثمة أشياء عمرها ينفذ منك ، أنت كثير بك ، تلملم أزرار الزمن في كفِّ عفريتك المؤمن بالثورة داخلك ، تتمرد على الأشياء التي تخضعك لها، تنزُّ أعماقك ، تهزُّ أحاسيسك ، ترى النور كما الفجر ، حين ينبلج من رحم العتمة ، ويسمح للشمس العذراء أنْ تبدأ عرسها المجيد نحو وجود يليق بك .
*أيُّها المجيد ، المنبعث من سلالة الطين ، وأساطير السماء ، و أنفاس الحياة ، ووحشة الأحراش المتوغلة بغاباتها فينا ، وجهد الحروف ، وألواح الفرسان الذي حملوا رسالة النور قبلك ، و أسلموا الراية لمن تلاهم ، لا تتوقف ، لا تسمح بأن يُسلب حلمك ، بأن تُطفأ عيون الحياة ، بأن يتغوَّل الشر عن قيمك النبيلة ، بأن تكبر الظلمة فينا ، بأن يكثر أعداء النور.
*لا تسمح لأصوات الرصاص أن تتغلب على هديل اليمام ، ولا لأعمدة الدخان أن تسلب صفاء أكسجين الله ، ولا لدبابَّة الحقد أن تجثم على صدر الأرض ، ولا بنعيق الغربان أن يُخرس دعاء الكروان ، ولا لليأس أن يسلب لبِّ الأمل ، ويسطو على رايات الأمل ، و يسرق منك إحساسك بك ، بمن حولك ، بالحياة ، بالله ، لا تسمح لهم بتجريدك منك ، بتفريغك من معناك الجليل ، بصِّبك في وعاء فارغ من دلالته ، لا تسمح ليدك أن تمتد لتقتل ، ولا لقلبك أن يغدو محشواً بالكراهية ، و لا لعودك أنْ يطيش عن طور فطرته ،فيؤذي ويجرح ، ولا لإنسانك أن يموت بيدك .
أيُها المجيد ، الله أرسلك أنت ، رحمةً من بعده بك ، وبأهلك ، وبوطنك ، وبغيرك من سلالة البشر ، استدر نحو قبلة النور ، نحو الشمس ، نحو البياض ، نحو عترة الطهر ، نحو الأفق المتسع للحب، نحو الرضا عنك، استمر ، استمر ، باليقين فيك ، بالنوارس البيضاء ، بالعصافير التي تغرد كل صباح ، بالطوابير التي تملأ الشوارع مُرسلة شارات الوجود للنور السماوي ، بالأحياء التي تطفو فوق صدر البحر ، بالابتسامات التي تتفجر كالفوشار من شفاه الطفولة البريئة ، لتخبرنا أن ثمة صرخات وجود عاشقة ، ترتُّل تراتيل الألوهية لله ، تُنشد الحب ، ترنو للسلام ، تسنج خيوط البياض كل لحظة ، كل حين ،كل حلم ، كل تعب ، كل صبر ، كل انتظار ...
أيُّها ا لإ ن س ا ن ....
( بمناسبة مرور خمسة وعشرون عاما على تفعيل روابط التواصل بين الأشخاص في عالم الويب)
( بمناسبة مرور خمسة وعشرون عاما على تفعيل روابط التواصل بين الأشخاص في عالم الويب)