من مدين قلبي .....
إلى شُعيب سؤالٍ يكمنُ في عقلي ، يتساءل متى يلج النهار خيط الظلمة ؟، ومتى يتنفس الصبح ؟ ومتى يأتي الوطن ؟ و يتم الإفراج عن ابتساماتنا الأسيرة وراء قضبان شفاهنا التي زمَّت أبوابها ؟ تركت للصمت مهمة التعبير عن واقعنا الغارق في دهليز المتاهة ، الباحث عن خيط يقوده لممر النهاية الآمنة ، من مدين قلبي الشغوف بك يا أيتها الجميلة ، أبعث لك رسالتي بعدما عجز الرجال عن استيفاء حق الاحتفاظ بك في بيت الوطن ، وتركوا للغرباء فرصة تحسس ملامحك ، وجسدك الغض ، اختلفوا طرائق قددا ، و استحالوا اثنتي عشرة أسباطا ، قطَّعوا أوصال الوطن ، وعاثوا في بوصلة الطريق ، حتى حادت عن جادة الصواب ، خرجتْ ذبذباتها المعقولة ، جراء آرائنا اللا معقولة ، فذهبت العقول بالوطن ، وخرج الوطن ولم يعد حتى هذه اللحظة !
· من أزاهير قلب مُحبة ، أزفَّ إليك باقات ياسمين ، وقبائل جوري ، محلاة باللون القرمزي الأحمر ، أطوف أفياء ملامحك ، و أجول شرايين قلبك ، و أسرح ، و أمرح ، بعيدا عن الحمقى ، والغارقين في النزق ، والطيش، بعيدا عن اتفاقاتهم ، ودعواتهم ، وادعاءاتهم بأنهم يريدون الوطن فيك ، بعيدا جداً أقف أنا ، وكثيرون، وكثيرات، طوابير تلو الطوابير، أكوام بشر ، و أكداس فرح ، وتكتلات من دماء ، و أرواح ، وقلوب ، لنقبل جبينك ، ونلثم خدك ، ونبارك مداسك ، ونشم رائحتك المُعفَّرة بترابك ، ورطوبة طينك ، نستبشر بصباحاتك ، وندعو الله أن يرزقنا دوام بركتك ، ونور وجهك ، و ألاَّ يحرمنا من اسمك ، ووجودك في حياتنا .
· من مدين هذا القلب المُعذب ، سأستجدي قلبك كثيرا ألا يكثرت بما يحيق به من تعب ، ونصب ، وقتر ، وقهر ، وسأقول لك كم أنت جميلة بمن فيك ، كم أنت ناصعة القلب بمن يزرعون في قلبك ملامح الطيبة ، و ينثرون في مدنك و أحيائك قمح المحبة ، و ينشرون بين أهلهم و أحبابهم قيم النبل ، والخير ، والمساواة ، ولا يبيتون يومهم إلا وقد اقتلعوا عن ترابك الطاهر كل أشواك الفتنة ، وعوسج العنصرية ، و أعواد التخلف الرجعية الفكرية .
ومثل أفلاطون حين يروم المثالية لمدينته الفاضلة ، ولا يقبل ما يعكر صفو مدينته الجميلة وأجتهد في إقصاء كل الفرضيات ، والاحتمالات ، ليجعل عاتقه مترعاً بعبء أفكاره ، حين لم يشأ أن يقرأ ما تقوله عقول الآخرين عن مفهوم المثالية ، ولم يقبل أن يموت حلمه بين يديه وهو العالم ، والعارف بأن للزهرة القدرة على الاستغراق في جمالها ، حتى تتعرى منه ، وتنسلخ بتلاتها عنها ، تتقشَّر جزءاً تلو جزء ، إلى أن تترك الساق وحيداً ، وتلفظ الوحدة جذرها بعيداً عن حقيقة الطين ، تتلاشى وفق مبدأ الاستغراق في اليقين بشكلها حتى آخرالأنفاس
· دعوني أسبتُ بعيدا في كهف أفلاطون باقي أيامي وعمري ، و أخرج عن طور الدولة التي تفنن حكامها في طلب المثالية ، فلم ترق لهم صيغة ، ولم يتفق لهم قرار ، ولم يتوافق لهم حلٌ ، وكلما اقترب خيط الفجر من ليبيا ، ولاح بصيص أمل قيامها ، اجتهد الأفلاطونيون في النبش عن الهفوات ، وطلب الاكتمال والمثالية ، حتى غاب عن عقولهم أن للمثالية أطوار ، كما البدر إذا تدَّرج في مراحله ، بلغ مدى الضوء متجاوزاً الاحتمالات ، بالتدرج في الاجتهادات .!
·هل ألقوا بتفاحة نيوتن في قاع الجاذبية ، فتنافرت الأطراف ، ثم أقسموا على تقشير برتقالة الملل بمبادئ هيجل المتطرفة ، أما كل شيء أو لا شيء ...كم يؤلمني أن أُطلَّ بنافذة وجعي على ضفَّة الشك ، و أترك ليقيني فرصة أن يعلق في شص الصبر ، الصبر الذي مزَّق شعبي ، وقطَّع أوصال مدني الجميلة ، وبدَّد ريحنا في كل حدب وصوب ، وترك جسد الوطن لتجاعيد الزمن المهترئة ، تشجُّه قشَّات تقصم ظهره ، بفعل تضارب الآراء والتعنت في الرؤية من جهة ، و زاوية .
أ لم يجتهد سياسي واحد في قراءة مناهج دريدا ، يقرأ كيفما يتفق لنا زماننا ، ويجمع الرؤى في وطن طال انتظارنا له ، ريثما يترك الأفلاطونيون مثاليتهم ، و يتخلى الهيجليين عن تطرفهم ؟
أ لم يجتهد سياسي واحد في قراءة مناهج دريدا ، يقرأ كيفما يتفق لنا زماننا ، ويجمع الرؤى في وطن طال انتظارنا له ، ريثما يترك الأفلاطونيون مثاليتهم ، و يتخلى الهيجليين عن تطرفهم ؟
· من مِدين قلبي المتسع حباً لك ، إلى أصغر شُعيب فيك أيها الوطن ، كم أحبك ! و أحب صباحاتك النبيلة ، والجميلة ، المليئة بالابتسامات ، و الفرح ، أنوس في مُحياك ، أضطرب كلما لاح لي شرخ ، أو ندبة ، أو شهقة حزن ، أجول ، و أصول ، أبحثُ عن وجع ، عن دمعة ، عن وليمة حزن ، تفترش قلبك ، عن وريد ينزف فيك ، عن يتيم يفتقد يداً تربت على رأسه ، أفعل ذلك متسائلة كم من أفلاطون سيعاني قلبك ، وكم من هجيل سيتطرف بك متوارباً خلف مبادئه ؟
· من مدين قلبي إلى شعيب روحك أيها الغالي ، مازلتُ أؤمن بأن المحبة قاعدة التآلف ، والود قاعدة التفاهم ، والاحترام قاعدة التواصل ، والاستماع قاعدة الوصول ، مازلتً أؤمن أيها الوطن بإعادة الفرضيات ، وطرح الرؤى ، والقراءة ، ثم القراءة ، ثم الوطن .
ذات بحث عن روقة الخلاص
28/7/2016