الجمعة، 4 نوفمبر 2016

ومازال










·        حاضر أنت فوق مشانق الذاكرة ، تملك القدرة على جعل مقصلة التمني تبدو كأنها منصة فسيحة للعتاب ، مازالت الأزمنة تحتمل المزيد من احتمالات حضورك ، فيغرق صدرها بضجيجٍ يصدح بأسفار البوح نحو عالم سامٍ ، خالٍ من الغبار ، يتموسق كسيمفونيات تؤرخ لتراتيل ليبية ذبذباتها حنين .

·        من ذريعة النظر في عينيك استطعتُ حمل الإلهام على البوح لقلبي قصائد ألهمتني اقتراف الشعر ، كنتُ أتعثر في غيابك كالعمياء ، أرنو لجدارك لأستند عليه بحجة أن الحياة تمضي أيضا بمن هجرونا ، كان الأمل ، و حفيف اسمك ، وهدير صوتك ، و فوضى حضورك ، وقهوة شفتيك ، و أشياء أخرى تمثل فصولاً لربيع يجتاح عمري ، يرفعني فوق أعالي شجرة سرو عتيدة ، أو صنوبرة مُضمخة برائحة الحنين ، أو صفصافة تقاتل ذكورية العالم بالأمومة .


·        مازلتُ أحبك ، أيُّها الوطن ، لا أحد يستطيع أن يسلب هذا الحب مني ، إنه الرباط الروحي المقدس بيني وبينك ، ومثلي الملايين قد شدوا وثاقهم لك ، دون أن ينتظروا العبور من أحد.

·        مازلتُ تلك المراهقة التي ترسلها والدتها لبيت الجيران لتحمل طبق الكسكسي يوم الجمعة لجارتنا الوحيدة التي لم ينقطع يقينها بالله ، وبالدم الليبي ، مازلتُ تلك الفتاة التي يروق لها أن تتسكع في أروقة بنغازي ، لتقرأ ملامح البيوت الصامتة ، وتتلقى رسائل الحنين من أعلى باحات المدى ، من المآذن ، وواجهات المحال ، تترجم آمالها ورجاء العناوين في العودة للحياة ، مازلت أُطل برأسي من وراء باب بيتنا ـ لأصيح بمحمد الصغير ، كي يحضر لي الخبز ، وبعض الخضار ، مازال هنالك وطن يجمعنا ، ومازالت ليبيا تمضي بهؤلاء البسطاء ، أ تراك هنا بالقرب ؟ أريد أن تتسلق معي كتف نجمة ، و نلتقط صورة من فضاء العالم ، لهذه المدن المغمورة في قاع الحنين ...


·        انظر هنالك ، مازال الخبثاء يتعثرون ، ومازالوا يسقطون ، ومازالوا يفقدون القدرة على التواصل مع ذواتهم ، مازالوا لا يجيدون ترتيب  جملة مفيدة تجعل  قلوبهم مُخلصة ومُحبة لليبيا ، نحن هنا نصنع البياض ، ونبعث ضوء الشمس على الطريقة الليبية ، نهاتف صديقاً غائبا عنا ، أو نرسل معايدة ، أو ندعو جاراً لفنجان قهوة ، أو نقيم حفلاً بسيطا بمناسبة نجاح طفل ، أو نكتب منشوراً فيه مزحة ليبية و آخر دموعنا أن نشتكي الله من هذا الطابور الطويل الذي يعجُّ بأسماء المخادعين ، فنرسمهم بفرشاة كما رسمها حسن دهيميش ، نعريهم من أقنعتهم الكاذبة ، نوثق بالمقابل صوراً تعشق الوطن ، و مقالاً ينادي للإنسان ، نسقي شجرة سرو ، أو نحيد الفأس عن صفصافة تمدُّ عنقها للسماء ...


·        مازالت تربة الوطن تستوعب الياسمين ، و الجدران الصامتة تستوعب خربشات أقلام التلوين ، وأبواب السؤال تحتمل إلحاح الطارقين من أجل سلامة الوطن ، مازالت القلوب تخفق بنبضات ليبيا ، و تطرق الرأس مفكرة بطريق يحملنا نحو مواكب النور ، لا تترك كفي من يدك ، فأنا حالمة كبيرة ، و أمارس لصوصية الحلم  بدرجة باذخة ، أسرق من كنف السماء نجمة ، أغمرها في قاع سبخة بنغازية ، وأخرجها مغتسلة بماء هذه الأرض ، ثم أعلقها على صدر الليل ، لأراها تشع من النور ، وتكتب فوقها سيمياء السماء أسماء المدن التي تعجُّ بأسئلة الحنين ، وتتساءل عن مواعيد ابتساماتها ، و عراجين معبأة بحكايا التوق ، والشوق ...


·        لا تترك كفي لأنني سأمضي بك ، و إن تعثرتُ بالمسير ، لكني لا أتخلى عن واو وحيك ، وطاء طربك ، ونون نسيمك ، عليك أن تُنصت لهذه الأصوات الشريفة ، وتشاهد الأكف الطاهرة ، التي لم تتلطخ بدمك ، عليك أن ترى هذه الأرواح الإنسانة التي ترسل الحب ، في دعوات السلام ، ومصالحات الوطن ، لا تحزن إذا فشلت مرة في جمع الوطن ، عليك أن تؤمن ما دمنا نؤمن بالله ، أن ليبيا من نسل لا ينقطع ، ومن حسِّ لا يموت ، ومن دقيق معجون بخبز المحبة ، ومن حنِّاء محنِّة ، ومن نطفة لا تموت ، عليك أن تؤمن أن الخير الذي يمتلئ بك ، مازال يعيش فيك ، ومازال يمكنه أن يفعل الكثير ، و يرمم المزيد من الجدران المُتصدعة ، و يعالج الشقوق التي اُبتلى بها الوطن ، و يمكنه أن يزرع زهرة ، أو يرسل لعزة أصيص زهور ، أو نبته ظل جميلة ، خاصة تلك التي يليق بها أن تُسمى بأسماء الملكات ...هل تذكرني حين أضحك و أنا أكتب " و أمنح نباتات ظلي أسماء الملكات ....


·        مازال الوطن في القلب يرسم ليبيا كاسم ضارب في جذر الوجود  ...لا يموت ولن ...ولن 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق