الأحد، 17 ديسمبر 2017

بورتريه




مازلتُ سنبلةً تسكن الفرشاة الثملة ، والعينين اللوزيتين ، أُُمُّاً لجدارية تتصدر الحائط ، تعبر لغات القرون السحيقة ، لتخبر عن رحلات رحمية مرَّت فوق جبين الحائط ، الحائط المتهالك الذي تصَّدع قلبه ، وتهدَّلت ملامحه ، و تشقق وجهه 
ساقطا في لوعة التوسلات من بكاء على أوطان لم يرأب صدع شقاقها الزمن .

سأحلم بأنْ أجفف مآقي الدراق ، وأكتبُ اسمي على صدر ورقة توت تتأهب لكتابة تاريخية ، عن أسماء تمَّ قطافها من شفاه الزيتون ، عن أرواح غادرتْ وهي تحاكي الطين ، عن وعود عالقة في عناقيد انتظارها ، عمنْ اندثر بهم التراب ، وهم يحاولون رسم الملامح لملحمة خلودنا ، عن تميمة علقتها في عنق حبيبي ، لعل الصبَّار يتوقف عن النمو في قلبي ، فتزهر حدائقي الغنَّاء.

مازلتُ خضراء الروح ، أتوهج كلما أضاء جناح العنقاء ، منذرا بالانبعاث من أمم الرماد ، أندس في فم عصفورة ،و أتسربل قبلة من عشِّ ، متى ضاق به غصن الشجرة ، ارتفع وحلَّق للسماء مانحا الفرشاة لغات الكون ، ولهجات اللون ، تراصفت منذ الأزل ، لتخطَّ تقاويم تسربلت كجداريات خِيطتْ بأنامل حريرية .

مازالت فرشاتي ترسم ، تتعثر فوق البياض ، تسقط في فخاخ الإلهام ، تنصب مصائد البورتريهات فوق الملامح العابرة ، تلك التي تتحدث لهجاتي كإنســـان .


الجمعة، 15 ديسمبر 2017

لهجــــات .








أنا التي أسرجتُ حصان الليل ، و أطلقت العنان لخيولِ السؤال نحو مُقل الإجابات ِ، أدورُ بين حانات المدينة والمقاهي الملقاة على أكتافِ الرصيف تائهةً ، أُشعلُ فتيلَ الغياب لأبحثَ عمن تاهوا بين مسارب المسافات والغبار ، أترك بدايات النهار لعبور الضوء ، مُحلقة ً على جناح عنقاء ، انبعث جسدها من أمم الرماد !




مازلتُ صديقةَ الوحدة ، رفيقةَ العتمة التي لا تسمح للضوء بالتعارف معها ، مازلت ُأرافق الأواني الغارقة في لهجات الطين ، أستحضرُ في هدوئها حديث أمي ، ولغة الصلصال ، مازلتُ صديقة الشجرة العجوز في حديقتي ، أُُسند رأسي إلى هيكلها العظمي ، و أعدها ألاَّ أحولها لمقاعد ومناضد حزينة ، مازلتُ أغمرُ كفي لأغيبَ في تواريخ التقاويم ، أبتسمُ عن يومٍ ذهب كورقة خريف ٍمُصفَّرة ، أتذكرُ فيه مَنْ حملوا أمتعة الرحيل إلى مدن لا تنبس ببنت شفة ، مدنٌ تخضع لمناسك الغبار ، وطقوس السكون الأبدي !



أنا التي تركتِ اللوحات عالقةً على الجدار ، أحاديث لبيكاسو قتلتها رهبانية السؤال :

عن القتلِ ، عن الخراب ، و الهجرة ، و الفراق ، عن الرحيل ، وعن الإرهاب ، 
عن أعشاش بلا طيور ، وبيوتٍ حاصرتها شيخوخة التراب !


أنا المبللةُ بأحاديث المساء ، وحنين الصباحات الغائمة للمطر ، اشتياقُ العصفور للنافذة ، توقُ الكرسي الوحيد على الشاطيء لحديث الغريب ، اجترارُ الذكريات لموج البحر ، اكتراثُ الأزهار الذابلة للبلل !

مازلتُ أغردُ خارج سرب الوقت ، أحملُ ظلي على الرصيف المعبأ بأسئلة المارة ، و أبارك علاقة العشق بين كرسي المقهى وعمود الإنارة القريب ، مازلتُ أُجالس المناضد الوحيدة ، الغائبة في عتاب الغرباء ، أدندنُ لها بموسيقى الناي ، والعود ، والكمان ، أصيخ سمعي لشكواها ، ثم أعترفُ لها بأنهم أبناؤها الذين سلبناهم عنوةً من لبِّها ، مازلت أشبهُ ظلي ، أتسربلُ في المدن الضائعة دونما هوية مكان ، أمضي ويقيني في قلبي ، أنني إنسان ...أنني إنسان ...

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2017

مازال الله يرانا




 يقول لي حبيبي تعالي 
لنقتل كل يوم سياسيا من بلادنا
نشرب من دمه ...
ونقوم بترحيله إلى المقبرة 
تعالي نسقي بالمطر
تربة هذا الطين 
ونبارك للسماء قبلاتها له 
يا حبيبي ...
مازالت الحرب كآلة الكيتشن
تطحن قلوبنا ..
وتزعجنا بنفيرها كل يوم
مازالت المآذن تخون صلاتنا 
وتعقد صلحها مع نواطير الليل
مازالت وسائدنا تهزم أحلامنا
ومازلنا نسقي نباتات يومنا 
بدموعٍ ...
وشِعرٍ ....
نتسلق أسوارنا لنعبر
ذلك السياج المكتظ 
بالحقد و القهــــــــــر
ياحبيبي ...
هذا العالم ذئب كبير
يلتهم بلادنا على مهل 
قال لي الله ...
هذه الأرض مِسك الجنة 
في أرضـــي ...
أنَّها آخر نبيات السماء....
رأيته يتجول في طرقاتها
يطلق يده الرحيمة 
في شوارعها,,,
ويسبغ عليها من عطفه
ما يكفي لأن نضخَّ
منه أطنان حب لهذا 
العالم الشائك ...
أريد أنْ أكنس الحزن 
من مقلتيها ...
و أضيء عينيها بقناديل
تشعل ظلام الطريق...
أريد أنْ نرسمها 
بعيون تحب الزهور
وقلوب تقامر الشمس
كي تظل في معراج
الشروق ..

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

أنا و فيسوافا








تقول لي فيسوافا 
تعالي نحرث في الهواء 
ذلك الدخان المتصاعد للسماء
ونُمشِّط شعر الغيوم 
ربما سنبدأ بداية أخرى 
تنظف المكان 
من قمامة الحرب 
كانت فيسوافا تنمو في قلبي 
كأصيص يفترش الضوء 
ويصلي صلاة الظل 
كلما توضأت بقصيدةٍ
تشكلتْ على شفتيَّ 
بلادٌ من اليقطين ...
مازلتُ أركض وراء ظلي
ألعقه كبرتقالة متجعدة
من خشونة الحرب
أعيد تلقيح الأفكار المُهجنة 
أحولها إلى منمنمات صالحة 
لشرب الحياة 
أتقيأ كسادنا الأخلاقي 
على سبورة مدرسة .
في بلداننا يا فيسوافا 
السياسي سمكري 
صاحب خيال خصب 
يعتقد أنَّ بلادنا الكبيرة 
مجرد سيارة أهداها له والده 
بمناسبة نجاحه في الانتخابات 
لذلك مازال يمكنه أن يقودها
إلى سوق الخردة ....
حيث لا أحد يمكنه تنظيف المكان !
هامش :مستلهم من قصيدة فيسوافا شيمبورسكا البداية والنهاية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا وفيسوافا 
من مجموعتي نصوص فيسوافية 


الجمعة، 10 نوفمبر 2017

حتى كأنه خردة ..








 لا أعرف من ستخرج الحرب من رأسي ؟ ومتى ستغادر ذكرياتي ؟ ومتى سيعتصرها الفرح حتى تنكمش ، تقول لي صديقتي سارة : إذا حدث و انكمشت الحرب  ، فسوف تتحول أمعاؤها لوحش جائع ، لا يُبقي ولا يذر !


 ربما قرأت  سارة عن نظرية التشاؤم لمالتوس ، وقررت أنَّ الحروب شر لابد منه ، للحفاظ على توازن السكان ، وتوازن العقول  .

 و من شدة رفق الله  بنا أخذ الحروب في نزهة قصيرة بين حين وآخر ، فاسترحنا  من صوت رصاصها ، ومن مقت ساستها ، ومن تذمرهم ..  

 ذات نزهةٍ  صرخت سارة  مشدوهة ، وهي تلقي بلوح الشكولا التي أعشق :  جارنا السياسي يزور محلا للزهور !??

شكَّل هذا الخبر صدمة كبيرة لي ، وتصورت جارنا السياسي وهو يغازل زوجته ، ويلاطف بناته ، و يقدم لهن الورد ، برائحة الدماء التي اقترفتها يداه ، في حق المدنيين بمدينتي !

لا أعلم لي ملتجأ ، ولا ملاذا سوى ألبوم لصور قديمة ،  كي أهرب من صوت النازح الذي بدأ صباحه قسماً على زوجته بيمين الطلاق ،  ومن الهراء السياسي الذي يصدح من قنوات الراديو ، و العصابات التي تقودنا نحو البراري ، والمحميات الأممية !

في هذه   البلاد لم يعد يوجد وقت للحب ، ووقت للحديث عن أشياء جميلة ، أغلب الذين عرفتهم في حينا’ وفي شارعنا التهمتهم قذيفة في غمضة عين ، فذهبوا بلمح البصر ، صاحب محل البقالة ، وثلة من الأطفال ، و بعض الشيوخ الذين كانوا يباركون خبز أيامنا بدعائهم لنا ، لا يوجد وقت للحديث عن زواج ، أو حفل خطوبة ، أو حتى مقلب  يحصل لصديق تُحدث به صديقا آخر  ، ولسوء الحظ ، أصبحت ذاكرتنا مبتورة ، و أجزاء منها مقطوعة ، صارت كل ذكرياتنا غير مكتملة ، يغيب فيها شخص ، أو حبيب ، أو ابن ، أو صديق ، أو جار ، بل أنَّ المواقف اليومية لم تعد سوى فيلم بألوان الأبيض والأسود .....امتص الحزن  كل الألوان  الأخرى لحياتنا  ، فأصبح وجهه قديما ومتآكلا ..حتى كأنه خردة !
ـــــــ 
سرد مفتوح

الخميس، 2 نوفمبر 2017

رواية سفر الريح ، لعزة رجب سمهود.









 مع قرب صدور أول أعمالها الروائية تقدم الكاتبة الليبية/ عزة رجب سفر الريح كرواية طويلة ، الصادرة عن دار الغراب 2017 ، لتتنوع فصولها السردية ، وتأخذك لعوالم آخاذة ، جمعت بين سحر الأسلوب ، وعمق الكتابة ، و السرد الشائق المحمل برائحة التأريخ ، والألم ، وحكاية شعب تاه عبر مسارب السنين ، منذ الاحتلال الأيطالي لليبيا ، إلى محاولته للتغيير عام 2011 ، تختار الشاعرة الروائية أبطالها بطريقة مثيرة للاستكشاف ، فتنقلنا شخصياتها بين إناث التائهة مع قصصها ، وبحثها عن حريتها ، والمتفاعلة مع قضاياها كمرأة ، وبين سمر البطلة والساردة لقصة بيللو ، الذي هو زوجها في حقيقة الرواية ، تجمع عزة سمهود أفكارها في روايتن ظاهرتين دون خفاء ، تنقلنا بين الأبطال ، ورحلة عذابهم الطويلة في أيام المملكة ، و حرب تشاد ، والربيع العربي ، من خلال استخدامها لتقنيات حديثة في الرواية ، وبمهارة وسلاسة ومتعة في السرد الذي أضافت إليه من خيالها الخصيب شخصيات تنبع من إرهاصات العقل الباطن للبطل عمر القاسم ...
تبدو سفر الريح رواية من النوع الذي يعري القشور الاجتماعية والارهاصات الثورية بكل قبحها ، وتعنتها وفجورها ، بجرأة في الطرح ، وسرعة تنقل بين الأزمنة والأماكن دون أن تشعر أنك تقرأ رواية .



يقول الدكتور يسري عبد الغني عن سفر الريح :عزة سمهود كاتبة تعي أن فن القصة أصبح لونًا فنيًّا يجب أن نراعي قواعده وأصوله، ومن هنا جعلت روايتها ميدانًا خاصًّا خصبًا لوصف تاريخ ليبيا، جامعةً بين الماضي والحاضر في صور مختلفة، فقرأنا معها الخير والشر، الكفاح والحب، البغض والوفاء، مشكلاتنا بوصفنا مجتمعًا عربيًّا، أشخاص وأشخاص يعكسون على مرآتهم صور الحياة التي تعبر عن هذه المشكلات. الكاتبة نجحت في أن توظف مادة عملها القصصي بمصادره المختلفة في التعبير عن فكرها أو ما تريد أن توصله إلى الناس، كل ذلك بعرض الحوادث والمواقف، والشخوص التي تتعرض للمواقف والأحداث، والبناء السردي بما يشمله من حوار ووصف عبر الزمان والمكان والفكر والمغزى.

​وشخوصها سواء أكانت أساسية أم ثانوية تنجح في أن تضفي عليها البعد الظاهري المتمثل في التكوين الجسدي والملامح البارزة في الشخصية، وكذلك البعد الباطني المتمثل في التكوين النفسي والطبائع المميزة للشخوص التي نعيش معها عبر العمل الإبداعي . ​والرواية التي معنا يمكن أن نجعلها من الروايات التي تجمع بين الرومانسية والواقعية والاجتماعية والوثائقية.


في الوقت نفسه الذي تنجح فيه المؤلفة أن تستخدم وسائل وتكنيكات روائية عديدة، مثل القطع، وتيار الوعي، والمنولوجات والديولوجات . ​أما بالنسبة للغة فلغتها واضحة سهلة مفهومة، لغة تبعد عن التعقيد أو الغموض، وحتى وإن وردت في سياقها بعض الكلمات العامية فهي مفهومة وغير مستهجنة، وقد نجحت في أن تستخدم الدلالات اللغوية بكل ما فيها من إيحاءات لتعكس ما تريد من فكر خلالها، أضِفْ إلى ذلك قدرتها على رسم لوحات تعبيرية تجمع في ذكاء بين أشكال اللون والصوت والحركة .

هذه كلمة عابرة أردتُ أن أكتبها للمبدعة الأستاذة / عزة سمهود عن روايتها الممتعة المهمة (سفر الريح )، التي تمتلك مقومات الفن الروائي وأصوله في زمن تجاهَلَ فيه العديد ممن يتصدون للفن الروائي كل قيم الفن الروائي ومفاهيمه، والذي نحذر أننا لو استسهلنا الأمر وظللنا في حالة الفوضى الروائية هذه، فإن ذلك سيؤثر - دون شك - بالسلب في مستقبل فن الرواية ، تحيةً إلى المبدعة التي تمتلك أدواتها الفنية الأستاذة :عزة سمهود، وفي انتظار العديد من الأعمال القادمة لها