الجمعة، 21 أكتوبر 2016

أريدُ طواحين هواء تدور من أجلي







*أحملُ علبة تلويني ، وفرشاة ، وقلم فحم ، ورصاص ، وجير ، ألفُّ شعري كعكة مدورة على قمة رأسي ، أنزع أقراطي ، أجهز روحي لطقوس الكتابة ، يغريني قلم الكحل الأسود ، فأخط به جفني ، و أمرره على الحسنة الخفيفة أعلى شفتي جهة اليسار ، ثم أكمل وضوئي الرومانسي بأحمر شفاه أحمر ، أجعله يبدو جاهزاً للفرح ، لطقوس الهروب ، لبساط ريح يحملني فوق كفيه ، أو كتفيه ، أو على رحاب صدره ، مالفرق ؟ ريثما تطلق الحياة سراحي ، سأكون قد أنشأتُ حقولي ، و أطلتُ في عمر نباتات ظلي ، و هذَّبت شعري دون الحاجة لصالون التجميل ، ريثما تطلق الحياة سراحي من عنق الزجاجة الذي علقنا فيه جميعاً ، سأشتري فستاناً بدون أكمام ، مصمم لامرأة سعيدة مثلي  ، أفكك أزراره ، و أترك للندوب التي تقبع في سكون الحرب فوق عنقي عارية ، يشهد على أنينها خواء عقول ساستنا  الرهيب  ،  سأشتري حلوى غزل البنات ، كطفلةٍ تنتظر البائع ، تحمل نقودها في انتظار العبور العظيم ، العبور الذي يتلخص في تلوين شفتيها بالأحمر ، أتناولها و أنا ممتنة للزمن الذي كفل سلامة البائع الجوال في حانة الشارع ...

*بكم يبيعون الضمير يا دون كيخوت ؟
أريدُ طاحونة هواء  تدور من أجلي ، تجعلني أعبر مسافات الحلم ،  أختصر دوران الطائرات الليبية حول العالم من أجل تحقيق التوافق ، في قرية ليبية صغيرة ، و أوفر مصاريف الفنادق الشاهقة والمترفة في مربوعة بسيطة لقروي حلمه العظيم وصول خط الانترنت لقريته  ، هذا الذي يستقيل من أجل سعادته عظماء السياسة في الغرب ، أريد طاحونة  تضخُّ الأموال الطائلة إليها ، وتبعثر أطباق السوشي الكاذبة ، لتضعني أمام  طبق ليبي شعبي ، نتحدث حوله بلغتنا البدائية ،وبملابسنا الشعبية  و نوجِّه أصابع الاتهام لبعضنا دون تكلف ، نعري جلودنا ،  ننزع الأقنعة المزيفة ، نُخرج الأزمات المختزلة في صدورنا ، الاحتقانات التي خلَّفتها الإبر المخدرة ، الجفاف ، والأكزيما ، والنزف ، والندوب ، والعار ، لنشتري ليبيا ...

* آآآه يا دون ....أريد حلماً نبيلا ً ، لا أحد يستطيع أن يسلبه مني ...
 يهبني السكون مقابل ابتسامة امتنان لا أهبها لأي كان ،  يحملني فوق مناكب حلم يتراءي لي فيه أنَّ ليبيا ملكة جمال الكون ، وتاج ملوك المدن ، و تمثال عشق ، و أيقونة الفرح في هذا العالم المليء بالأوجاع حتى نخاع الماء ....

 *أطلي مدينة الملح بلون السبخات الأبيض ، و أشرع النوافذ نحو الجهات ، أبني للطيور أعشاش فوق باحاتها العتيقة ، أُعطر شوارعها برائحة الحنين ، وحكايا السرد الشائقة ، أفتح بيوتها باباً باباً لأروي قصص البيوت الغائبة في عتمة الزمن ، لا أريد أن تغرق بلادي في الحزن ، وهي مازالت شابة صغيرة ، لا أريد أن ترتدي ليبيا عباءة ليست على مقاسها ، ولا ثوباً قماشه  مصنوع خارج حدودها .....

*من لي في هذا الليل غيرك ؟، أتعايش على صورته ، و أقتات الحياة من مضمون معانيه ، و أتسربل كحكاية  تمضي بين الأزقة ؟ ، لتسرد أمانيها في بساطة عميقة ، من لي بهيرودوت ليعيد على مسامعي كيف كانت ليبيا !، ويستحضر بين دفتي التاريخ الأرواح التي عبرت أزمنة  المجد الليبي ، وتركت أسماءها عالقة دون أن يطالها غبار النسيان ...!!

*من لي بكفِّ دافئة تعتقني من إصفرار هذا الخريف ؟، تعيدني من زمن الغياب إلى آنية الحضور ، تغربل ذكرياتي في ألبوم يحتويني ، وتحضرني في إحدى صفحاته صورة دون كيخوت ، وهو يطوي يقينه في قلبه ، ويمنح روحه لطاحونه تدور به في رحى الهواء النقي !؟

* سأهرب لمرافيء مهجورة ، كي آمن على قلبي الصغير من براثن الرهاب ، أتزين بإسوارة غدامسية ، أمتطي حصاناً أبيض ، أُطهر العالم بمسحوق الطيبة ، أنثرُ باقات الورد ، أطلق سراح اليمامات الأسيرة في أبراج المدن المحتلة ، أحرر المآذن الصامتة  ، الغارقة في دهشة تغير أحوال الائمة ، أزرع المزيد والمزيد من الياسمين ، و الريحان ، و الشماري ، و البطوم ، والخروب اللذيذ ، والإكليل ، والورد البلدي ، أُحيل حزن الشوارع النازفة إلى ابتسامات ، أتركها تنمو حتى  تتكدس ، و تملأ موانيء ليبيا ، ثم أشحنها للعالم ، و أكتب على صناديقها : ابتسامات فرح لعلاج حزن العالم ، مدة الصلاحية " مادام هنالك أمل ، بلد المنشأ : ليبيا ...

الأحد، 25 سبتمبر 2016

مخطوط





شفتاه دغل منسي 
من جوف غابات استوائية 
اكتناز مابين القوسين 
وما قبل فاصل اللغو 
وما بعد علامة إلخ ......
في طين الحواس 
المغمورة تحت سفوح الخطيئة 
مناجم معبأة بالتوق 
حقول فاان غوغ 
يقتبسني ..أجزاء ..أجزاء 
في ثانية ....
كأنها سنة ضوئية 
مهملة من أعمدة الدخان 
يترك عينيه عالقتين 
شرنقة تتوحدني 
فوق عنق صفصافة 
أو سرو وهبت قلبها لمدخنة 
في هذيان اللغة .....
حدقتان ل/ كهوف تاسيلي 
في حفرة الجفن 
تأريخ لأطلس رحلاتي الشتوية 
معزوفتان لشوبان 
متاهات مشفرة بألسنة الغياب 
و فصول رواية تاريخية 
بداياتي و بدايات البشرية 
قلبه مقبرة فرعونية 
أجساد وضحايا 
دفائن و أسرى و زوايا صوفية 
غرفة كاتمة للصوت 
سرابيلها قصائد عارية 
ماسوشية 
تُحرر أعشاش اللغة من فمي 
أعشاب خطاياي
وأصابعي المعجونة بالشوفان 
أحمر شفاهي البني 
قلم الكحل الأخضر ...
سرة الليل المحشوة في عيني 
و خلاياي السيتوبية

السبت، 24 سبتمبر 2016

سميرة






......
طائر أزرق 
خرج من علبة مجوهرات قديمة 
حاشية تتجهز لحفل العشاء الأخير
السيدة البدينة تكتب نصاً أيروسيا 
الخادمة تصلح قرطها القديم 
الفتاة العارية الوحيدة .
تحلق في  سقف العلبة 
تبتدع جناحا وتصله بغصن يحمل عشاً 
كل قبلة تخرج من شفاه سميرة 
تنبت عشا جديداً
فوق الملامح الصينية 
الصينيون لا يملكون قدما رفيعة كقدم سميرة
تدسها بين الشراشف الملونة  في ليلة مقمرة 
وفي الصباح تخرج فراشة  تحلق 
قرب النافذة العارية  من الزجاج 
تتململ بين أصابع الضوء 
ترتشفها على مهل 
تمتص تجاعيده .
ثم ترفل بهدوء قرب أنف سميرة 
المختلف المستدير
كشهوة غضَّة بلا قشور مخملية 
 تفاحة سقطت سهوا من اللغة 
مهملة من أنظمة النحو والممنوع من التقبيل
 ابتسامتها نانو في أنظمة التجريد
تشلح عن الرغبة  دثارها الشتوي 
تحيل المواسم لبرتقالة 
تقشر الملل بطلاء أظافر صيفي 
دانتيلا نهدها يدر النجوم 
تمنح الغرباء ليلة في بيت السعد 
تسحر  القمر بدراً مرة في الشهر 
تهبه قنديلا من إحدي عينيها 
وتغمز بالأخرى لحبيبها 
يغمس عجينه الطري في خمير انتظارها
يقرأ ندوب الحرب المفروشة على جسدها 
 سرة مارلين مونرو المقطوعة عن العوام 
خال سميرة توفيق المنسي فوق صدرها 
رائحة آخر فنجان قهوة عربية  في إسبانيا 
مضيق آخر لجبل طارق 
بين عامودين من ساق البامبو 
جدار فاصل بين غزة وتل أبيب
من خطوط السيلوليت فوق القفص الصدري
سنابل يوسف الغامرة 
بعد سنوات عجاف ...
هاهي توميء بالامتلاء 
كحقول قمح ترفل من ليل شعرها 
هذه النبية .....
المندسة  في آثار التراث 
أو ربما ثمرة شماري لم تنضج قبل التسعين 
جورية  مؤمنة بديانات  الزهور 
و دستور العصافير المهاجرة 
ووثائق  ليست من اللوفر و الكرملين 
واللحم المقدد و البيض النيء 
ليلة تسامر الليل بقبلة مستدامة 
ثم تغلق سقف السماء
 بأهدابها السوداء ........
س م ي ر ة  ....

الجمعة، 16 سبتمبر 2016

الأوليغارشيا اللذيذة !







 *تحولتُ لمخلوق ليلي، أخيطُ بإبرة الوقت زمناً على مقاسي الصغير، أراهن على رتق عيوب الحقبة الزمنية التي أعيشها بمهارة قلمي ،أصطنع لي حبيباً يعشقني حد الثمالة، فأكتبُ من أجله نصوصاً بسيف خشبي ، أهبهُ كل قصيدة لوناً مزهراً ، لعله ينبعث من بين السطور وطناً أُلقي إليه برأسي المرهق من التفكير ، أدوزن ألمي مثل إنسان حجري قديم ، يتأقلم مع نقص موارد الحياة ، ويسير وقد تعشَّبت روحه جراء تراكم غبار الزمن عليه .

*في غرفتي أنزوي وحيدة، أنزُّ ذاكرتي بمذاق الحنين، أتصور نفسي سعيدة ، أخرج من بيتنا للشارع الآمن ، أتبلل بالمطر ، أغتسل بالماء ، أتنفس بعمق ، أكتب قصائدي المجنونة والبرد يتسلل لأطرافي ، ويزحف مع قلمي نحو صدر ورقةٍ بياضها ناصع ، يخطُّ بأناملي المرتعشة كلماتي الحبيسة في سجون التوحد داخلي هنالك يقبع في صمت الكثير من كلامي ، يتدفق إحساسي بمجرد أن أرسم حدودي ومناطقي الجنونية ، أمارس هذياني ، على مدن تتراءى لي أسراب طيور مهاجرة من أعشاشها هاربة من قشعريرة البرد  .

*هربتُ لفترة من أسئلة ريكور عن كيفنا ولماذانا نحن هكذا ؟ وبقيتُ لفترة من الزمن أضحك من علاقتي المُكرسة ببول ريكور، أتذوق على طريقته كعك الأسئلة ، أقلب نظرية الحوار الليبي رأساً على عقب ، أراها بقلق هايدجر، أو تبسيط أرسطو ، أو مثالية أفلاطون ، أو أمررها لي لأستنسخ طريقة تفكيري بسوارين كيركجارد ، وقلبي ! قلبي هذا الذي يتفتت مثل عصفور طريد العاصفة ، يرتجف ، يئن من شدة الوجع ، يحتار في خيارات الإجابات عن كيف ولماذا لم نتفق ، ولم نتفاهم على الحلم ، ولم نجد طريقة لنسيان صوت الرصاص ؟ ولم نشعر بهؤلاء الشباب الذين ذابوا مثل كلوريد الصوديوم في إناء شراستنا الفكرية ، ولم نستطع أن نسمع العقل حين يرنو لديمقراطية  الأفعال ، ديمقراطية السلوك ، ديمقراطية الممارسة ..

*هآنذا أعلق في شص السؤال ، كسمكةٍ تائهة في بحر يتعرض للاستلاب ، تعبره جحافل الهجرة ، وتقصم ظهره تجارة البشر ، وتدير شواطئه وجوه غريبة ماردة هآنذا أسجل اعتراف قلمي ، أننا لم نصل بعد لإجابات ريكور ، و أن الحواريات الدائرة هي سقط متاع من تجربة المساواة والحرية ، و أن ثمة مرض تعانيه الأطراف ،  من تشنج فكري ، و تطرف في الرأي ، وبين سلطتين تشدان طرف الوطن إليهما ، نحن الطرف المفعول به الألم ، والمفعولة فيه الأزمات ، والمفعول معه التجربة الحوارية المشوهة المخاض  .

*سرحتُ بعقلي بعيداً عن كعك أسئلة ريكور  ، كان أرسطو يحيطني ، مثل طوق في عنق يمامة ، نجتْ من سرب غربان تحاصرها بالتعنت في الرأي ، والاستبداد بالسلطة ، والتعصب في إبداء وجهات النظر ، أحاول قراءة المشهد ، والأفكار ، والدكتاتورية المتشددة من الأقطاب المتنافرة، أقطاب همها أن تبقى ، تستمر ، تستعين بالعالم على بقائها ، أو بموارد المال على استمرارها ، أقطاب ليس لها رصيد في الوطن ، فكلها ملعونة من شعبها ، وكلها مأسوف على اختيارها .
 *هآنذا أسحبُ جنودي وأوراقي  ، ثقافتي المتهالكة من تعب البحث ، رسائلي التي أنهكها السفر ، قصائدي التي ذابت شوقا لحلم ليبيا ، مدني التي بنيتها على الرمل ، تعويذاتي التي تعلمتها من أجل بقاء وطني ، أشجاري الخضراء ، وزهوري ، ونباتات ظلي ......أتركُ لطوق أرسطو يحيط بي ، ويهمس في أذني قائلاً : يا عزة ، شعبكم لم يتخلص من  الاستبداد  بعد ...

كنتُ أتنهَّد و أنا أعلم أن شعب ليبيا منذ 1911 مازال يعاني من أوليغارشيا مستدامة .


ذات تاريخ و جهاد  .
16/9/2016

السبت، 10 سبتمبر 2016

يُمطــــرني







يُمطــــرني 
بكلمات الجفاء .....
يهطلُ يأسه علي ربيعي 
يحيلني لقطعة ثلجٍ....
يذرأُ نسياني لروحي 
حين يذكرني أنني منسية فيه !!
هنالك علي نافذتي 
يحطُّ صبري...
ويلوحُ لي انتظاري ..
وتنخلعُ أناتي مني ...
تتسحبُ لذاك الطيف الآتي 
كأنني على هامةٍ سامقةٍ 
عرجتُ بمشطى ...
وخططتُ لأحزاني ....
شوارعاً تنخرُ بعجزٍ في طرقات شعري .....!!!!
ماكنتُ أستبيح على جنون أمنياتي 
سوى امتطاء رغبةٍ 
تصهلُ في عمق جرحك 
وتصرخُ من كينونة الصدى 
تتبداك أمـــــلاً.....................................
وقتما كان الزمن 
ينظرُك بشوق الجموح ليأكل فيك 
جميل الأمنيات على سفح العمر .....!!
إننى تلك الأنثى التي حرَّمتْ مرود الكحل
من أنْ يخط َّجفنيها.....
و آنف جسدها العطر دونك 
وتبدَّتْ آمالها دخاناً....
حين سحقها وجعُ بعدك 
بين شفتيه .....
ريثما تشرقُ شمسُك 
ويلعقني ظلك بين أحضانه 
علي الجدران .....!!!!
إنَّ الحديث عن صمتك يطولُ
والحديثُ عن سفرك يستبيحُ 
ضحكاتي ....
وجوازات سفري...!
ويمزقُ أنحائى في غياهب مطموسة النسيان !!
بين وطنٍ للحب ....!
ووطنٍ للمنفى .....!
أيا كتاب أحزاني :
امطرني غيوماً ....!
انثرني قصيدةً حزينةً....
تقرأها عيناك من الهامش
و اهرقْ ماتبقى من كياني ....
اتركني انسابُ بين 
ثغرات شمعك الأحمر الممنوع 
حيثُ يقبعُ في صمتٍ باقي كلامي 



الجمعة، 2 سبتمبر 2016

و أمنحُ نباتات ظلي أسماء الملكات ........











و أمنحُ نباتات ظلي أسماء الملكات ........


ألملمُ ما تبقَّى من زجاجة العطر المكسورة، أغمس قطعة  القطن في السائل المُنساب على الأرض ، يهفُّ قلبي ، ويرتجي خاطري رائحة  الوطن ، كلما تذكرت ذلك ترتعش فرائصي، لتقع  فريسة الشك ، والحيرة ، يأخذني السرحان عن كينونة اللحظة و أعدو بذاكرتي وراء الصور ...

* الوقتُ عملةٌ صدئةٌ ، يرفض الكل التعامل بها ، الشحوبُ يعتلي التواريخ ، التاريخُ يلفظ أباه هيرودوت خارج زمنية الحياة في ليبيا ، شوهوا كتابات الجدران ، وكذَّبوا حقائق الأزل ، و شككوا في بنوة الليبي من تربة وطنه ،  الحوارات كالخبز اليابس ، تجفَّفتْ تحت الشمس ، حتى صارت هشَّة ، سهلة الكسر ، ظلي مفقودٌ من شخصي منذ 2011  يرتطم بالأرض كلما دفعه أحد لي  دفعته بعيدا عني ، بحجة أن روحي لا تتسع له معي ، أشجار تخرج من رأسي ، تنبت أسئلة تتعشب ، تتجه للأعلى ، يقولون أن (الأعلى) في بلادنا لا يرى سوى وجهه في المرآة ، لذا تتعثر أشجاري وتعود لتتقوقع داخل محيطها  أليس هذا ما فعلته بنا كلنا فبراير المجيدة ؟ جعلتنا نتعثر بظلالنا كلما تقدمنا أماماً ...

*هآنذا بين معقوفتين أضع سؤالي الكبير، لماذا لا يتفاهمون؟ لماذا لا يتركون المعادن، وصوت قرقعة السلاح، ويتجهون للإعلام، ويصرخون هناك في اتجاه معاكس على قدر ما يملكون من حناجر، لماذا لا يذهبون للصحراء، ويريحون رأسي من البحث عن مسكنات؟ لماذا لا يخلعون قمصانهم ويقيمون مباراة  البقاء للأقوى ، ويوفرون علينا الانتظار ، وتجرع الأزمات ، وتنفُّس ثاني أكسيد البكاء ، وثالث أكسجين الفقد ، سؤالي الكبير بحياتي وعمري أنا فتاة الجيل السبعيني ، المدفون تحت أنقاض الملكية ، و سجون  سبتمبر ، الجيل الذي تجرَّع زكام السياسة الليبية ، ودُفن حياً تحت ركام الزمن الذي سقط سهواً من جراب الساحر الكبير ، الجيل الذي كتب الرواية ، وتنفَّس الشعر ، وهرطق بمشاكله في المقالات ، وبين حكايات القصص ، فدخل السجون الفكرية ، جيل العتمة ، والزوايا القصية ، جيل الحانات المنزلية ، المثقف في الظلمة الذي أخرجه نور فبراير ولكن سرعان ما تلقفه غبار النخب العالقة بين الكراسي و أنقاض الوطن .

* يا  أنتم !!! ما زلتُ أكتب من هنا ...أصرخُ بلطف ،أنادي على نوميديا ، وآرتفيلا ، و جليانا ، وبرنيق ، وحدهن  ملكات في طباعهن، وعقولهن ، ودهائهن ،  وهبن عشقهن لليبيا ، ومنحن أعمارهن لروحها ، بلا كلل عملن من أجل التكريس لوجودها ....

* يا الله ...مازال  عطري ينساب على الأرض، يسترسل في زحفه ،  مازال الدم الليبي يسيل ، لكنه ليس عطراً، إنه شريان هذه الأرض، ونبضها، إنه ياسمين الشوارع، وغرس الحدائق المخضرة، إنه الورد البلدي، وساعد الوطن، ينزف كنفط ليبيا،  ويذهب هباء منثوراً بين أحلام الكراسي، وربطات العنق، بين آيات التحريم، وسُور الجهاد، بين شجب البيانات، وتأييد الحكومات، بين حاجب الفدية، وناطور الإخفاء القسري .                                                                                          
* أُحيل الحوارات الجوفاء، الممتلئة برائحة الرطوبة إلى خبز محمص، أغمسه في الزبد والعسل، ليبدو لذيذا ومفرحاً في صباحاتي المُبللة بحنين الوطن.

 * أنسى المشاجبات السياسية بين الأقطاب المتنافرة، أجلب بالونا ، وكمشعوذة أتمتم فيه بما تبادلوه من تهم وكلمات، ثم أصعد سطح بيتي وأنفخ البالون، أطيره في الهواء ليذهب النحس لدولة أخرى.

* أتابع أنباء الخطف ، والتورية خلف الأزقة  ، والإخفاء القسري لأبناء بلدي ، فأنزوي وحيدة متسائلة  عن كيفية قيام ليبيا من الخارج وهي في الداخل تعجُّ بطوابير النمل التي تلتهم سكان البيت ، أحاول أن أبتكر طريقة  لقياس عذرية الشمس ، التي ترمز للحريات ، للأبدية الإلهية فأقع في شراك الغربال ، الذي يقول لي يا سيدتي لا يمكن أن نتحجج بأي عذر ، إن بداية الدولة تعني بداية الإنسان داخلها ، وكل هذا هرج ومرج ، لا أملك أن أغطي به عين الشمس ...

* أقرأ في فيس بوك فتاوى دار الإفتاء، أتوجس شراً من انقطاع التيار الكهربي، فأسأل الله أن ينير عقلي، أهمُّ بأن أشعل شمعة ألعن بها الليل الدامس ، أرفع كفي الصغيرة كعجوز فتية وأقول  اللهم ثبِّت رؤيا المتحرين لدولة ليبيا ، اللهم لا تزغ أبصارهم وقلوبهم.
* ألملم ما تبقى لي من حلم ليبي ، فأجمع ما يمكنني من أزرار الوقت، لأداهم بها سلالة اليأس ،  أحشو جوف الليل بقمر يضيء القصيدة  في قلبي ، وينثر أشعار  الفضة  فوق صدر الوطن ، أزرع نبتة ظل جديدة ، أمنحها اسماً لشهيد جديد ، أجعل نباتات الظل متراصفة قرب بعض ، أقول لها أنتِ من هذه التربة ، وذلك الطين ، أنتِ ليبية ، فقط ليبية  ، أشعر حينها أنها تجفل وترمقني بعين السؤال ، آآه يبدو أن أفكار الوسوسة داهتمها هي أيضا ،  فأقول لها لا أريد أن أسمع أسماء جهوية ، أو مناطقية ، تردني عيون السؤال في أعين نباتاتي ، فأقول لهن أنتن ملكات ، آرتفيلا ، و نوميديا ، وبرنيق ، و إريناس ،أنتن أفضل من عشرات الرجال ، لأنكن قدمتن ليبيا للعالم دولة لا ينقص حواشيها حرف ، ولا يتجرأ كائن على النيل من اسمها بشائنة ، ترتفع أعناق نباتات ظلي أراها ترنو للضوء ، و أرنو ورائها لأرى ليبيا كما يزهو بها قلبي ...     

  مهما تحاولون أيُّها الساسة أن تطفئوا ضوء الحياة في قُرة العين ، ومهجة القلب ، لا تستطيعون أن تسلبوا من مواطنة عادية  حلم قيام ليبيا ، ليبيا التي بها أشعل ضوء قصائدي ، وكم اغتلتُ بنبالها من ألم ، حتى لا يزهو  لكم حزنها ....

عبير الورد 

ذات حوار مع نباتات ظلي 

الخميس، 1 سبتمبر 2016

تحورات لرؤى نصية ,,

  





النص المنسي فوق أكتاف المسافة 
لا تحمله سوى نسمة وهبت عمرها للفرح
النص الذي يدور كزوبعة في فنجان 
سيظل محشورا بين مذاق القهوة 
وجنون الفكرة 
يشتهي أن يقطع مسافات الحنين 
فوق جبين الانتظار 
النص الذي لايقولني كما أنا 
بكامل عيوبي 
يفككني ...
يخسف بورقة التوت 
  يلفظني كموجة يبتلعها الشاطيء 
أو يصنع مني امرأة منهارة من هذا العالم الرملي 
ليس من لحم شعري ودمه ..
النص المنبعث من عشب روحي 
الذي يكتبني كسافانا طويلة تختزل وجعها 
عند نقطة استواء المعنى 
يعري واقعي من قشوره المتراكمة 
يجعلني أترك وجهي مُعلقا على الحائط ريثما أستعيده 
هو نص ينزف 
نص شننق نفسه على منصة إعدام الزيف 
 ا ل ن ص  
 الذي لا يأتي كحليب الصباح 
و كطابور متعب من الانتظار 
و كخبز سئم من الأزمات 
وكثورة  شعب أرهقه حكامه 
وكقصيدة بُترت أطرافها لكنها ظلت تقاوم الريح 
هو نص لا يكتب الأغنيات 
ولا يعرف رائحة أغصان الزيتون 
ولا يستطيع أن يبعث الموتى من قبورهم 
النص الذي لا يسمع  البكاء موسيقى 
والحزن معزوفةً ...
والتغريد فضاءً
والحرية صرخة ....
يظل يبحث عن ألحان مسروقة من قصائد عمياء 
يظل كبيت من الطين 
 حينما يغمره الماء
 ا ل  ن ص 
 الذي لا يجعلني أغتسل بالماء البارد
و أشهق من الفرح
أو أذبح وريدي بيدي 
أو أرتدي فستانا صاخبا 
أو أصادق نبتة ظل معتزلة 
أو أغبط ذاكرة الموتي على الاحتراق 
هو نص بلا  روح ..
ولا يعدو كونه  عنوانا خاطئا لقصيدة 
 لم يكتمل بنائها ...
  أو ربما لم تكتمل حياتها !


الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

حتى لا تنطفيء عيون الحياة








خد الليل أسيلُ، ونهد قصائدي نافر، يعربد في وحشية، يكتنزُ شهيق الكلمات على غير هدى، يختزل تذمره في احتقانات مُندسة بين دهاليز نصوصي، كلما كتبتُ حرفاً، سكبتُ قارورة اللهفة على بياض النَّص، ثم تركتُ لرائحة الوطن تجوس محيا الجرح، تتلمَّس عمق الشرخ، وتمضي غير آبهة بما طال نسغ القصائد من تأوهات ، وحده اليقين يهبنا الضوء، وحده يُوقد قناديل العيون المطفأة، ويشعل النور في آخر النفق ، وحده اليقين بالله قارع طفرة الشك داخلنا ،فأشرع نوافذه صوب الشمس، وتيقَّن من استدارة تفاحة أفكارنا النبيلة، وقبولنا بحقيقة الاختلاف ، يمكنك أن ترى مركز الدائرة ، وبنفس المسافة ، اتفق معك الآخر، أم اختلف ، أنت لا تملك سوى الوقت الذي تكرسه من أجلك ، أو تهدره من عمرك، أنت لا تملك سوى أحلام ، ومظلات قديمة تريد لها البقاء  ورصيف في شارع، لتجلس عليه، و أرض لتسير عليها ، وبقعة مربعة في الليل ، ترتمي فوقها لتنام ، أنت لا تملك سوى حفنة أمنيات ، وتطلعات، ورؤى ،كبرتْ معك في جُعبة الوقت ،تدثرت بالانتظار، وتلفَّعت بالصبر ، وتفيأت جدار الظل ، حتى انداح فوق زمنها دعاء الاستمطار .

*الاستمطار الذي يعني أن تقاوم ـ بالتوسل ـ الغيم المعتم داخلك، أن تجعل صبرك يتصدر وجه غيمة، ترتكب في حقها كل أسنَّة الكلمات، لترسلها حتى تضع حملها، هآنت على مرمى فرح ، وقاب قوسين من فرج تشهد ولادة المطر ، تلعن ستائر الظلام التي انسدلت فيك ، ترفع الحجاب عن الرؤية ، تسمح للنور، بالتسلل فيك ، فيمن حولك ، تمضي باليقين، لتشهد ولادات أخرى للأمل فوق سيمياء الأرض ، تداهم سلالة اليأس ، بأنفاس من ضوء ..

*لا تقل لي أنك لا تملك الوقت الكثير، و أنَّ ثمة أشياء عمرها ينفذ منك ، أنت كثير بك ، تلملم أزرار الزمن في كفِّ عفريتك المؤمن بالثورة داخلك ، تتمرد على الأشياء التي تخضعك لها، تنزُّ أعماقك ، تهزُّ أحاسيسك ، ترى النور كما الفجر ، حين ينبلج من رحم العتمة ، ويسمح للشمس العذراء أنْ تبدأ عرسها المجيد نحو وجود يليق بك .

*أيُّها المجيد ، المنبعث من سلالة الطين ، وأساطير السماء ، و أنفاس الحياة ، ووحشة الأحراش المتوغلة بغاباتها فينا ، وجهد الحروف ، وألواح الفرسان الذي حملوا رسالة النور قبلك ، و أسلموا الراية لمن تلاهم ، لا تتوقف ، لا تسمح بأن يُسلب حلمك ، بأن تُطفأ عيون الحياة ، بأن يتغوَّل الشر عن قيمك النبيلة ، بأن تكبر الظلمة فينا ، بأن يكثر أعداء النور.

*لا تسمح لأصوات الرصاص أن تتغلب على هديل اليمام ، ولا لأعمدة الدخان أن تسلب صفاء أكسجين الله ، ولا لدبابَّة الحقد أن تجثم على صدر الأرض ، ولا بنعيق الغربان أن يُخرس دعاء الكروان ، ولا لليأس أن يسلب لبِّ الأمل ، ويسطو على رايات الأمل  ، و يسرق منك إحساسك بك ، بمن حولك ، بالحياة ، بالله ، لا تسمح لهم بتجريدك منك ، بتفريغك من معناك الجليل ، بصِّبك في وعاء فارغ من دلالته ، لا تسمح ليدك أن تمتد لتقتل ، ولا لقلبك أن يغدو محشواً بالكراهية ، و لا لعودك أنْ يطيش عن طور فطرته ،فيؤذي  ويجرح ،  ولا لإنسانك أن يموت بيدك .

 أيُها المجيد ، الله أرسلك أنت ، رحمةً من بعده بك ، وبأهلك ، وبوطنك ، وبغيرك من سلالة البشر ،  استدر نحو قبلة النور ، نحو الشمس ، نحو البياض ، نحو عترة الطهر ، نحو الأفق المتسع للحب، نحو الرضا عنك، استمر ، استمر ، باليقين فيك ، بالنوارس البيضاء ، بالعصافير التي تغرد كل صباح ، بالطوابير التي تملأ الشوارع مُرسلة شارات الوجود للنور السماوي ، بالأحياء التي تطفو فوق صدر البحر ، بالابتسامات التي تتفجر كالفوشار من شفاه الطفولة البريئة ،  لتخبرنا أن ثمة صرخات وجود عاشقة ، ترتُّل تراتيل الألوهية لله  ، تُنشد الحب ، ترنو للسلام ، تسنج خيوط البياض كل لحظة ، كل حين ،كل حلم ، كل تعب ، كل صبر ، كل انتظار ...
 أيُّها  ا لإ ن س ا ن ....


( بمناسبة مرور خمسة وعشرون عاما على تفعيل روابط التواصل بين الأشخاص في عالم الويب)

التوحد فيك.





تتعثرُ خيلي فوق مصبَّات دمعي
مصهورةً في قاعٍ يتدانى من قمة التَّداعي.
كالأحمق تغادرني روحي..
وتعتلي صهواتِ الْجراح.
تُعلنني مدناً مفتوحة الْجُرح
مشروخة الفوهة ّ!
أعرفُ المسافة بين كفِّ البحـــر وخاصرة وجعـــي
حين تثقبُ الدُّموع جدار وحدتي،
ويلهجُ لساني بذكرك فوق شفاه ذكرياتي
أتناسى السقوط في فخِّ نسياني
وأغرقُ
أ
غ
ر
            قُ............
         في توحِّدي فيك!         
أدركُ أنَّ الأنهيار: هو ثمةُ وصولٍ لمآذن فقدك
واستدراجٌ لصلوات تغريبة الروح!
أدركُ أنَّ ثمة قصائد بيضاء يُسربُها ضوءك
لمزيدٍ من الاحتراق فيك!
لا أفهمُ لماذا تملأني حد التُّخمة...
يا أنت...
يا
أ
ن
ت!
غلاءُ روحك ظاهرةٌ تتسربُ في ملح دموعي .
سياجُك يلفعُ حديقتي المعزولة في وحدة وجهك.
حقولُك تكتسحُ رماد أيامي المغتربة عن تاريخ
ميلادي!
لاتُقاتلْ دالية غربتي فيك.
لاتجـــرحْ لحائي.
حين تخضرُّ شرنقةُ توحُّدي فيك!



الأربعاء، 17 أغسطس 2016

آخر أخبار الحلم ....








كلما غفا في قلبي حلم 
استيقظتُ و أنا أهزه 
ليصبح معي على رائحة قهوتي 
صباح  جيد  ......
للوقت المستقطع من عمري 
لمنشورات العاجل في الفيس بوك 
للشعرة البيضاء في رأسي   
 لملابسي الصامتة في خزانتي 
 للطلاق الواقع في بيت الجيران 
للمستأجر الذي يدخن  نقوده في الهواء 
للحكومات  الغارقة في الشجب و البيانات   
سأنزُّ قصائدي 
لتذهب حافية إلى حبيب يستوعب حلمي 
يجعلني أرقص فوق عنق الريح 
يسحب من روحي لونها الشاحب 
ينفض عني غبار العزلة 
و ارتباك العتمة ...
يبتكر لي طريقة جديدة للضحك 
يعلمني كيف أجعل أناملي شموعاً    
 أشعلها كلما غادرني الضوء 
يخترع لي  وطناً  يتسع في حقيبتي 
يمكنني أن أحمله دون أن يسلبوه مني 
أريد  أياماً تعدني  بعلب شوكولا كثيرة 
 أتناولها  في صخب وفوضى 
دون أن يؤرقني حزن المدن النازفة 
أو يلتهم ظلي النمل حين  يأكلني 
البكاء على أعداد الشهداء .


اللوحة للفنان التشكيلي علي العباني 




الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

أميرة الشــموع







• يهبني الضوء فرصة لأن أذوب في غياب الظلمة، أشعلً أصابعي من عود صبرٍ يتَّقدً، جراء غيابٍ، ويشتعلُ جراء حنين، و يخبو جراء خيبة أملٍ، أجعلُ مني أمام هالة الضوء كتلة انتظار مهيب، تتوهج كلما قتلها سهمٌ من نبال الظلمة.

•  في توحد الشمعة أمام ظلي الكبير على الحائط، تتناثرُ أسئلتي كرمادٍ أحرقته لوعة الالحاح، يلفعني زيتون صبري بمرارةٍ، أتساوى مع الشمعة، لكنها تظلُّ أكبر مني، في ذوبانها من أجلي، في منحها لي أقباس الضوء ـ وسط عتمةٍ محيقةٍ بروحي، تتلاشى في حب، تختفي في ذروة الوقت المقيت ساعة.. ساعتين. ..ثلاث ساعات... تتركُ ظلها جامداً يقول إجابته ويرحل في صمت بليغ!

• الشمعةُ كائنٌ يسمع، ويرى، يشعر بنا، متى حضر يحضر معه هدوء الفكرة، وألقِ المشاعر، إنها مانحة، كبيرة، عظيمة، مهما كانت صغيرة، تكتسحِ السواد بنورها، وتغدقُ وفرة الضوء للعيون المنطفئة من الوهج، الشمعةُ تذوبُ من أجل روح تفكر، أو يدٍ تتعلمُ على ضوئها، أو عين ٍ تعمى عن رؤية أحبائها، تلعنُ الظلام بجسدها الهلامي، وتتخلى عن نخاعها الرفيع، من أجل أن تقول للعتمة المخيمة على روح الليل لست شيئا عظيماً في حضوري!!!

•  من سأذوب من أجله؟... أهبُه من ضوء روحي أقباس فرحٍ، لا أسأله عن عمري، وعما سأهبه من جسدي، أمضي في رحلة ذوباني بيقين كبير يحفني، أنَّ هنالك من يستحق ضوئي، ويستحق أن يسجد عند حضوره ظلي ـ في ركوع أبدي، ينطقُ من جسدي الجامد ـ كتلك الشمعة جملةَ الوجود الكبيرة، تاركة لأسئلة الوجد حفنة رمادي، وبقايا نخاعي، وخيطي الرفيع، وحروفي الخابية، وخيالي المتساقط!!! في لوعة الحيرة، وفنجان يحتويني كما السمكة والماء.

• أ نا أنثى لاتصلح للحب، ولا للكلمات المنمقة، ولا للزوايا القصية، أنا شمعةٌ صامتةٌ، غالبتْ الانتظار في علبتها المربعة، أكلها بياضها من البقاء غي النسيان، أبدو كفئة دم مانحة حياتها لكل الأرواح، لكني آبى أن آخذ قطرة حياة لأعيش بها، أنا والعتمة في تعايش دائم، أفهمها بعمق، أهبُها مني ما يجعلني أذوب في عمقها، وأستشعرها في صميم معناها، نقيضان لانقبل بنقطة المنتصف، ولا الحلول الرمادية، مثلما يفعل هيجل حين يتحرى مبادئه الثلاث، ويمضى وهو لا يعارض إلا نفسه في قرارتها.

• ساهرةٌ مع شمعة، وثمة دموع تحفر أخاديدها على خدي، تمر بوادٍ  زرعته ذكريات قديمة، صور، ووجوه رصدها صدر الحائط في احتضان عجيب، تركتُها تندس في أسراب روحي، تتمخضُ شكلها، تتشربُ من ينبوع الليل في سنائي، تتعرفُ لواعج قلبي، ثم تختار لها طريقاً عبر أرشيف ضياعي. 

• من سيأبه بسباتي حين أركن ُ متوحدة ظلي؟ ويوم لا أسبت، سأرقص محتفية بأيام الضوء الباقية من عمري، أفكرُ كيف أهبها، ولمن أُِشرع نوافذي، و من أجل منْ سيتلاشى ُتراب نخاعي؟

• منْ سيحظى ببياضي هذه الليلة... ويحمل أكفان ظلي في صحنِ غربته، يملأُ وجودي أسرار بوحه، ومؤتلق روحه على صنارة وجعي، يمضي وهو على يقين أن ثمة بئرٍ عميقةٍ، رمى إليها بحقيقة الطين، وهي لا تألو على سبب يسأله، أو يُصادر حقوق البكاء بين أحضان شمعة.

ذات تذكُّر لروح معطاءة

السبت، 13 أغسطس 2016

مواطنة تتسكع في جرح .......







أفتحُ قارورة عطر الحنين ، وباب الاشتياق ..
يحاصرني وجهك بين زوايا الليل المتوحدة صمتك المهيب، في شرنقة السكون، في تجاعيد الشوارع المهجورة، في حانات يتردد بين أصدائها رنين ضحكات الماضي البعيد، وجوه كانت هنا ترتاد صخب المقاهي، وضجيج الأزقة، تعبق برائحة الزمن الجميل، والآن يبيت فيها الوجع   ويستيقظ صباحا متحدثاً لنا بصوته الصارخ، يرسل لنا رسائله النصية في صياح لا يتوقف، ووجوه ما كان لها أن تعرف الوطن، لولا أن عرفت كيف تتسلق فوق أكتاف الزمن


  أتسكع في جرح نازف، أحاول رتق الجبين بشيء من ضمادات كلماتي، أستنزف الوقت المتبقي من عمر الدولة، في البحث عن أطياف عاشقة، وألوان صاخبة تعرف كيف ترسم نقوش الفرح بين حانات الوطن المهجورة، كنتُ أقلق، أخاف، أتوجس، أنتفض في حيرة، متسائلة ماذا بعد أن ترهلت الأزمنة في ليبيا؟ ماذا بعد أن صارت قبلة للمفسدين في الأرض؟ ماذا بعد أن غدت هذه الحقول ــ المخضبة بالقمح، واليمام، والزهر، والورد البلدي، والياسمين ـ قاتمة ومهجورة؟ بعد اختصار أعمارنا؟ بعد عودتنا للعصر الحجري؟ ماذا بعد أن أصبح العالم يخافنا، ويعاملنا على أننا مواطنون بدرجة (مسجل خطر؟)

أتسكع في نزف الجرح، وخاطري مجروح، ونسغي يبدد دمي للخارج، وريدي ينفر اللون الأحمر هنا وهناك، قصائدي شاحبة، صوتي يتحشرج كلما لفظتُ اسم مدينة ليبية، أشعر أنها بدأت تفقد وعيها عن الوجود ...وآآآآآه من الوجود الذي أثقل رأسي بالوعود، ودوُّرني تائهة، ضعيفة، لا حول لي ولا قوة، خجولة، مطأطأة الرأس بين رفيقاتي، حين يكتبن، ويتحدثن مزهوات بأوطانهن، حين يرسمن أفعال الرجال في أبيات شعر، أو ثلة خواطر، أو حفنة شهب من شذرات الشعر، وماذا سأكتب عنا؟ عن اختلافنا؟ أم عن قادة قادوا ليبيا لمستنقعات الرماد؟ أم عن رجال يناضلون ليل نهار من أجل تأزيم أوضاعنا المعيشية؟  أم عن حكومات الحد الأعلى لفاعليتها الاستجابة لتوفير الأرز والدقيق وجزء مستقطع من المرتب، وبالكاد جرعة أنسولين لمريض سكري، يستنزف قواه، ويبطل شهيته، ريثما تأتي الجرعة التالية، عماذا سأكتب؟ عن مدن تتراشق الحجارة فيما بينها؟ أم عن كتاب وصحافيين لا يسمع صوتهم أحد، أم عن سلطة عمياء لا ترانا؟ أم عن أئمة تركوا قضاء حوائج الناس، وتفرغوا لقضاء حوائج السياسة؟ استغراق يتوه في دهاليز ذاهبة في طولها، مادام باب الحوار ينحو مناحٍ جدلية، ومادامت المخالفة تتفوق على الاختلاف، والخلاف يقود الأطراف للبحث عمن يخلف الطرف الآخر.

 تومئ لي فوهة البركان المفتوحة في ليبيا أننا لسنا في الوجود الحقيقي، وأنَّ الوجود السالب يستغرق بنا نحو شرخ عميق لا ننتبه له، نُدب، وعلامات تطال جسد الوطن، طعنات في صدر الهوية، تشوهات خلقية تطال التراث، والكل مفصول عن الكل، كان وجه *هايدجر* يلاحقني من فكرة لفكرة، يغمرني في عشب السؤال، فأغرق في سافانا طويلة، من إجابات تتسكع في نسغي، تحاول ملاحقة نبضي المسكون بالقلق، هنالك رأيت الكثيرين مثلي، غارقين في يم الأسئلة، والفصال عن وجودنا الفاعل، ذلك الوجود الممتلئ بالصخب، والحياة، والتفاعل، والفعل، وردِّ الفعل، كنا في هوة من الإحباط ، يسكننا الخوف، يقيم في داخلنا ذلك الوهم من أننا موجودين حقيقة ، هزَّات من هايدجر، تحاول روحي أن تستل نفسها من الاغتراب عن واقعها ، خشية أن يصل الأمر لسلب الذات ، وتفريغها من قيمة الوجود .
  
 أتسكع في ذلك الجرح الغائر، أغوص حتى يغمرني بياض حزنه ، أتشرب منه عنوة، لأقول له سأظل أقلق عليك، ما دمت نبضا تسري في وريدي مدى العمر ،  سأمضي به ويقيني ببلادي مطوياً في قلبي، أحمله في جنبات هذه الروح المرتعشة، مثل طائر مبلل بالحنين لعشِّه، يتمنى أن ينفض عنه غبار الهجرة والاغتراب،  فالقلب مُلقى في غيابات الجب ، والروح مغازل تُلقي بأسماعها لأخبار الوجد ، والعيون سهرٌ انداح  في مسارب الليل طيش ونزف ، والأنف ضمِّخته رائحة الغياب حتى سكرتْ به شهوة اللقاء ، والشفاه أناختْ بأسئلتها إلى إجابات  ترجمتها قبُل  التوق  للقاء وجوه ابتلعها الغياب  ، في سجون التوحد والتغريب داخلنا.

عبير الورد

ذات تسكُّع في جرح
13/8/2016 

الاثنين، 8 أغسطس 2016

أنثى عادية











ضعني على رفِ البداية لديك ..
تناولني بأناملك ككتاب ترغب قراءته .
لأنك تريد أن تنسى من أنت .
عندها ستجدني في صدر كلِّ صفحة 
أكتبُ هوامش بدايتي في عينيك .
و أنسكب بين متاهات الكلمات كي أحدثك عني 

المنسيةُ في قاع الوحل والطين  
وساعات منبه الصباح 
في وجه البحر المتسع دهشة  
في حماقة فنجان قهوة تناوله عاشقٍ غادرته حبيبته 
بمرارة 

تذوقْ طبعـــي بهدوء ....
بثمــالةٍ صادقة 
فأنا أكرهُ كل فنون الكذب !
و أمقتُ العناوين المزيفة !
و أشمئزُ من أرقام الهواتف المشبوهة !
و أرتعبُ إن سألني أحد عن اسمي !

يا نكهة الملح في مذاق أيامي 
وطعم اللوز كلما قبعتْ قصائدي بين أناملي
و آثامي !

لا أحبُّ البقاء هنالك عند آخر اهتمامات اليوم العادي 
ولا عند مشهد فستاني الدانتيلا الأسود 
ولا عند حافة نافذتي المشرعة 
على أسئلة غيابك .

أحبُّّ نكهة البُن حين يأتي الصباح باسمك  
وطعم الهيل حين تشمني رائحة صوتك 
وجنون المذاق حين أشتهي بكاء المطر 
وعبق حضورك  
يلفحني كطائرٍ مرتعشٍ ...
يكرهُ أنْ يُسألْ عن أشياء الفقد 
والحرمان  
والقهر  
والأجنحة المقصوصة 
من اللا  
ومن سيرة الهلالي حين ضمخته خيانة الأحباب 

أحبُّ أي طفل اسمه كاسمك 
وضحكته تشبه رنين البحة في صوتك  

يا أناي ...
أحبُّ أن أكون في رفِ البداية  
و أكره النهايات المليئة بالغبار 
البعيدة عن ضوء النهــار 
الواقفة على نخلات العلو 

كالماء المُتسرب من ثقب الغربال .
كأحلام ذوَّبها ملل الانتظـــار.

الخميس، 28 يوليو 2016

من مدين قلبي .....





·        


 من مدين قلبي .....                                                                                              
إلى شُعيب سؤالٍ  يكمنُ في عقلي ، يتساءل متى يلج النهار خيط الظلمة ؟، ومتى يتنفس الصبح ؟ ومتى يأتي الوطن ؟ و يتم الإفراج عن ابتساماتنا الأسيرة وراء قضبان شفاهنا التي  زمَّت أبوابها ؟   تركت للصمت مهمة التعبير عن واقعنا الغارق في دهليز المتاهة ، الباحث عن خيط يقوده لممر النهاية الآمنة ، من مدين قلبي الشغوف بك يا أيتها الجميلة ، أبعث لك رسالتي بعدما عجز الرجال عن استيفاء حق الاحتفاظ بك في بيت الوطن ، وتركوا للغرباء فرصة تحسس ملامحك ، وجسدك الغض ، اختلفوا طرائق قددا ، و استحالوا اثنتي عشرة أسباطا  ، قطَّعوا أوصال الوطن ، وعاثوا في بوصلة الطريق ، حتى حادت عن جادة الصواب ، خرجتْ ذبذباتها المعقولة  ، جراء آرائنا اللا معقولة ، فذهبت العقول بالوطن ، وخرج الوطن ولم يعد حتى هذه اللحظة !                                                                                                            

·  من أزاهير قلب مُحبة ، أزفَّ إليك باقات ياسمين ، وقبائل جوري ، محلاة باللون القرمزي الأحمر ، أطوف أفياء ملامحك ، و أجول شرايين قلبك ، و أسرح ، و أمرح ، بعيدا عن الحمقى ، والغارقين في النزق ، والطيش، بعيدا عن اتفاقاتهم ، ودعواتهم ، وادعاءاتهم بأنهم يريدون الوطن فيك ، بعيدا جداً أقف أنا ، وكثيرون، وكثيرات، طوابير تلو الطوابير، أكوام بشر ، و أكداس فرح ، وتكتلات من دماء ، و أرواح ، وقلوب ، لنقبل جبينك ، ونلثم خدك ، ونبارك مداسك ، ونشم رائحتك المُعفَّرة بترابك ، ورطوبة طينك ، نستبشر بصباحاتك  ، وندعو الله أن يرزقنا دوام بركتك ، ونور وجهك ، و ألاَّ يحرمنا من اسمك ، ووجودك في حياتنا .                                                 
                                                    

·        من مدين هذا القلب المُعذب ، سأستجدي قلبك كثيرا ألا يكثرت بما يحيق به من تعب ، ونصب ، وقتر ، وقهر ، وسأقول لك كم أنت جميلة بمن فيك ، كم أنت ناصعة القلب بمن يزرعون في قلبك ملامح الطيبة ، و ينثرون في مدنك و أحيائك قمح المحبة ، و ينشرون بين أهلهم و أحبابهم قيم النبل ، والخير ، والمساواة ، ولا يبيتون يومهم إلا وقد اقتلعوا عن ترابك الطاهر كل أشواك الفتنة ، وعوسج العنصرية ، و أعواد التخلف الرجعية الفكرية .                                                                                                                   

  ومثل  أفلاطون حين يروم المثالية  لمدينته الفاضلة ، ولا يقبل ما يعكر صفو مدينته الجميلة    وأجتهد في إقصاء كل الفرضيات ، والاحتمالات ، ليجعل عاتقه مترعاً بعبء أفكاره ، حين لم يشأ أن يقرأ ما تقوله عقول الآخرين عن مفهوم المثالية ، ولم يقبل أن يموت حلمه بين  يديه وهو العالم ، والعارف بأن للزهرة القدرة على الاستغراق في جمالها ، حتى تتعرى منه ، وتنسلخ بتلاتها عنها ، تتقشَّر جزءاً تلو جزء ، إلى أن تترك الساق وحيداً ، وتلفظ الوحدة جذرها بعيداً عن حقيقة الطين ، تتلاشى وفق مبدأ الاستغراق في اليقين بشكلها حتى آخرالأنفاس                                                          

·     دعوني أسبتُ بعيدا في  كهف أفلاطون باقي أيامي وعمري ، و أخرج عن طور الدولة التي تفنن  حكامها في طلب  المثالية ، فلم ترق لهم صيغة ، ولم يتفق لهم قرار ، ولم يتوافق لهم حلٌ ، وكلما اقترب خيط الفجر من ليبيا ، ولاح بصيص أمل قيامها ، اجتهد  الأفلاطونيون في النبش عن الهفوات ، وطلب الاكتمال  والمثالية ، حتى غاب عن عقولهم أن للمثالية أطوار ، كما البدر إذا تدَّرج في مراحله ، بلغ مدى الضوء متجاوزاً الاحتمالات ، بالتدرج في الاجتهادات .!                                                                                            

·هل ألقوا بتفاحة نيوتن في قاع الجاذبية ، فتنافرت الأطراف ، ثم أقسموا على تقشير برتقالة الملل بمبادئ هيجل المتطرفة ، أما كل شيء أو لا شيء ...كم يؤلمني أن أُطلَّ بنافذة وجعي على ضفَّة الشك ، و أترك ليقيني فرصة أن يعلق في شص الصبر ، الصبر الذي مزَّق شعبي ، وقطَّع أوصال مدني الجميلة ، وبدَّد ريحنا في كل حدب وصوب ، وترك جسد الوطن  لتجاعيد الزمن المهترئة  ،   تشجُّه قشَّات تقصم ظهره ، بفعل تضارب الآراء والتعنت في الرؤية من جهة ، و زاوية  .                                                                       
                                                                        
أ لم يجتهد سياسي واحد  في قراءة  مناهج دريدا ، يقرأ كيفما يتفق لنا زماننا  ، ويجمع  الرؤى  في وطن طال انتظارنا له  ، ريثما يترك الأفلاطونيون مثاليتهم ، و يتخلى الهيجليين عن تطرفهم ؟                                                                                                   

· من مِدين قلبي المتسع حباً لك  ، إلى أصغر شُعيب فيك أيها الوطن ، كم أحبك ! و أحب صباحاتك النبيلة ، والجميلة ، المليئة بالابتسامات ، و الفرح ، أنوس في مُحياك ، أضطرب كلما لاح لي شرخ ، أو ندبة ، أو شهقة حزن ، أجول ،  و أصول ،  أبحثُ عن وجع ، عن  دمعة ، عن وليمة حزن ، تفترش قلبك ، عن وريد ينزف فيك ، عن يتيم يفتقد يداً تربت على رأسه ، أفعل ذلك متسائلة  كم من أفلاطون سيعاني قلبك ، وكم من هجيل  سيتطرف بك متوارباً خلف مبادئه   ؟
                                                                                 
  
·   من مدين قلبي إلى  شعيب روحك  أيها الغالي ، مازلتُ أؤمن بأن المحبة قاعدة  التآلف ، والود قاعدة التفاهم ، والاحترام قاعدة التواصل ، والاستماع قاعدة الوصول ، مازلتً أؤمن أيها الوطن  بإعادة الفرضيات ، وطرح الرؤى ، والقراءة  ،  ثم القراءة ،  ثم الوطن  .


ذات بحث عن روقة الخلاص
28/7/2016