الاثنين، 18 أبريل 2016

خزَّافة .






 خزَّافة .
تسكب أمي شيئا من الطَّفَل ، وبعضا من روح الأرض ، و رائحة نواياها الحسنة ، تمزجه بطين طمث الأرض الأحمر ، وشئ من ماء الحياة ، وقليل من الأمنيات ، تقول أنها تكفي لإرسال حياة بمذاق آخر ، ثم تضيف إليها رحلة تأمل من عينيها الفنانتين ، ومسحة من الإحساس ، ودفقة شعور بالعطاء ، و تعجن تلك الروح .


تبدأ في التشكل الرحمي الأول  حول رحى يديها ، تدوُرها بين أناملها ، ماضيةً في رحلة الاستدارة ، تصرع فيها كل الهموم ، ومضغة اليأس ، والحزن المقيت ، وتجعل أعشاش الفرح قريبة ، من الجرار الآخذة في التلوين ، رفيعة ، طويلة ، ملفوفة القد ، كأمي ، حين تقبل حاملة إحداهن ، وقد ملأتها بماء الحياة ، تقول لي انظري إليها ، إنها جزء منك ومني ، رفيقة الطين ، والصلصال ، وصاحبة الصوت الحزين .


اتركي يا فتاتي مجالاً للنافذة المُطلة على البحر ، كي يتسع صدرها له ، فالبحر ضائق بنا ، كلما هاج جراء فعالنا ، خذلته كائناته ، ولفظ بشهقاته للنافذة الصامتة ، تشرأب بعنقها نحو صمت الجرة الواقفة على شرفتها ، فتتجرع في يسرٍ ماء البحر ، وتحتفظ به في لبِّ روحها ، حتى يعودها مرة أخرى ، فيمسح بيديه على برودة الصلصال .

اتركي يا صغيرتي للطين روح التشكُّل ، فإني من مائه المهين ، ومن روحه الطيوب ، لا تؤلمي التراب الأحمر بوقوفك عليه ، وقُدس السر الذي بين يديه ، والثمي خد الزهر والريحان ، إذ انبعث من أصيص صغير ، ضاق به المكان ، واتسعت له تجاعيد الطين .

شكِّلي الخزف ، كلما تكوَّر بين يديك عجينا ، كعجين الجسد الرخو ، لوُّني وجود الله كلما طاف بك طائف الحزن ، وخفتِ أن يتجرَّد قلب الإنسانية من الرحمة بالبشر  ، فيقضي على حقول القمح فوق خدود الأرض ، يحرق زيتون نظراتها ، ويزجي حليبها بالماء ، ويمضي في فساده غير لاوٍ على ألمها ، تاركاً كيمياء جسدها تئن في روح الطين الأحمر ، ارسمي  منه عصفوراً ، أو عش يمامة ، أو جسدي وهو يرسل من الخزف رسائل الحياة للطين .
 عزة 

هامش : الطَّفَل نوع من التراب يدخل في صناعة الكثير من الخزفيات وأيضا يعتبر مادة أساسية في صناعة الأسمنت  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق