السبت، 9 أبريل 2016

الغائبة في الضوء









قبل أن تزهر أصابع الملل في يدي ، و تعزف على أوتار قلبي ، فتمارس كسادها المهتريء ، سأحمل كفي المترع بحبوب القمح ، و أختبيء قرب سرب يمام باحث عن أيادٍ مُشرعة نوافذها للريح ، و أصابع صيَّرت من نخاعها أغصان يحط عندها اليمام ، كلما ألقى كتفيه على كاهل الوحدة ، التي تتسرب مني كماء فاض عن إناء عزلته .

حالمةٌ سادرةُ التيه أنا ، غارقةٌ في يم اليباب ، وباعثةٌ من أشكال الجماد حياة ، ومُحبةٌ لروح الله الطيبة في كائنات العتمة ، والضوء ، على حدٍ سواء لا أقع في إشكالات فهم الماهية ، لكني أغرق في إدراك الروح من نخاع قاعها ، إلى قمة شكلها ..

سأمضي إلى طريق الغابة المفروش بالحلم ، و أجتاز تلك المنعرجات التي يمتليء بها نهر الطريق ، أمضي خلف النهر ، لأصل إلى سجادة وحدتي المعشوشبة بخضرة وجودي ، هنالك يحلو لي أن أتحدث للفراشات ، التي تلتصق بحائط وحدتها أيضا ، تغترب على لحاء الشجر، تسبت في شتاء التشكل الرحمي لها ، تتغير في تحولات الفراغ ، فوق لحاء وحيدٍ مثلي ، مثلها ، تغمر جسدها الغض في أيقونة الانبعاث ، ماضيةً في فكرة طويلة ، تستغرقها عمراً ، ثم تبدأ في سرد يقين وجودها ، فيأتي جناحها على قدر إلهامها الملون بأهازيج خيالها المترع بالفن ، والألق ، والحياة .

الجناحُ يحمل لوحة لبيكاسو فريدة التلوين .
دائرةٌ ملونة تشير إلى لوح الحياة .
بقعة مستديرة غامقة تشير للمغفرة .
خطوط عريضة حمراء تشير للحظ والحياة .
فرشاةٌ تلون أساسها بالأحمر …

وتطلق الجمال المحشور في قلبها سراً ، لتجهر به عشقا لوجه النهار ، ثم تطلق جناحيها للريح ، وتحط عند أول زهرة ، تلثم خدها ، الخدُّ يميل مع النسيم المنبعث بعبير أريجها ، الأريجُ يتسربُ كعطر مخملي لأنفي ، يطيرُ صوابي ، أضحك ، فأملأُ صدى الحياة ضحكات ، يسمعني الذين تمتليء شغاف قلوبهم بحمق الشعر ، وخيال النثر ، يقتربون من سجادتي الخضراء ، ثم يطيرون وراء الفراشة ، وهم يصورونها كيف تلثم خد زهرة أخرى ، وهي تشعر بالسعادة ، والامتنان لضوء النهار الذي لايكذب وعوده للرقيقات .

ماذا لو تترك غصن يدي ، و تعشق ضوء الليل ، تــُقبُّـله ، تقتربُ منه ، تتحسسه ،
سيحبها ضوء الليل ، كما أحبَّ قبلها كثيرات ، يقترب منها ، يجعل دفئه يتغلغل لروحها الرقيقة يسكن أقبية قلبها الصغير ، تسرح أصابعه لتتسرب لشعيراتها الدقيقة ، يجعلها تطير من الفرح لرؤياه ، تتقافز مضطربة في الهواء ، جذلى بين كفيه ، الجود جود حضوره ، والهيبة تملأ حبوره بها ، اليقين يتشرب من حقيقة أزلية ، غامرة في لغز الضوء الدبق الثقيل الكثافة والحضور .

الضوء يمنح نفسه مرة واحدة من أجل فراشة تضحي بجناحها الملون لروحه .
روحها تترك جناحيها مشرعين لنوافذ الريح واثقة من خطوتها الأبدية .
الريح تزداد زهواً ، تمتليء بالهواء حتى التخمة ، تترك رئتيها معبأتين بأكسجين الحياة  .  
                                                                                  
الأكسجين يبدأ في رحلة وهب الحياة نحو الفراشة الملونة بالأحمر .
الحياة في مفهوم الفراشة أن تحيا قرب الضوء الذي يهبه الليل في كرم تفيض به كفُّه .


كفُّ الليل غادرة ، ما إن تمنح الحياة للفراشة المزدانة بطرحة اللون ، حتى تغرق في شبق العشق للضوء ، تتشربه ، تتشربه ، تثمل به ، يذهب عقلها ، يغدق المزيد من كثافته عليها ، تنغمر روحها حتى نخاعه ، تبدأ في رحلة الغياب عن الوجود ، ثم تستحيل رماداً منح قلبه بكل حفاوة لسيد العشق ، الذي سرعان ما يعلنها عروساً للنور .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق