الجمعة، 18 مارس 2016

المنـــسي في السرد






في مدينة الحلم تهدلُ عناقيد فرح أسطورية ، و أطياف النور السماوي تسبح في فضاء الزيتونة المُعلقة في المجرة الوحيدة ، النورُ فيضٌ من أقباس السكون ، و القناديل تُسرج قرص الشمس لفضاءات بعيدة المدى ، الجنةُ أرضٌ خصيبة ، كمدينةٍ يحبها الله ، خارطتها روحٌ من الطيبة ، مخضبة بحناء الوجد ، ذلك الذي يتسلط على كنه الذات ، فلا يأتي إلا بالحديث الهامس ، اللغة فيها استرسال ، يُحيل العصفور لحناً يشدو ، والشجرة إلى وجود مليء بأغصان الحياة ، والغابة إلى عالم ساحر .

هنالك كان حطَّاب الأرض ، يحملُ فأسه و أحلامه ، كلما اقتربت ساعة الفجر من أحضان النهار ، بدأ النهار يترقب بتؤدة ظهور سيدة بيته شمس ، فيتوشح بعباءته الدافئة ، ويمضي في خشوع مهيب ، نحو الضحى ، فالذروة ، فلحظة شبق تخشع لها مآذن الله في الأرض .

حينها يستلقي الحطَّاب على أعناق العشب القصيرة ، يُظلل خارطة الأرض الخضراء ، يبحث عن شجرة تحتضن حكايته ، و ترنو للغة أصابعه ، وكفَّه ممدودة سلالها إلى الله ، كان يهمس ويقول في خلجات روحه : لا أملكُ أن أقطع عنق صفصافة ، ولست عدواً لأشجار السرو ، هبني يا الله فأساً تمنح السكينة ، للروح المتخشبة فلا تسلب أكسجين الله من روح الأرض .

كان يتساءل كيف يتسلط ُ على اللغة ؟ 
ويحيل الفأس إلى عصا ساحرة ، والعصا إلى حكمة السماء في الأرض ، والحكمة إلى دهشة مُحبة ، تخصف أوراق الجنة على الأرض الوعرة العارية من آثام البشر !


كيف يجعل الكلمات تتحول إلى قنديل البحر ؟ أو زهرة توليب ؟ كيف يجعلُ الدببة المتوحشة في الأرض تستحيل إلى يمامات تطلق سراح السلام المحبوس في الصدور ، ويجعل الصدور المُغلقة بأقفال الكبت تفتح أبوابها للريح .
كان يدعو أن يتحول إلى حطَّاب يحطبُ الريح ، فيعيد الاتجاه إلى عكس عقارب الساعة ، الواقفة على ساق الرتابه ، و يدندن على أعناق الهواء حكاية الفأس التي لا تقطع رقبة شجرة ، ويركب البساط العشبي ، يتسربل أحلامه رواء فوق الأرض ، فإن مرَّ بتماسيح فوق النهر أحالها لأسراب من البط .

البط يتدرب هو وصغاره على السباحة في خضاب النهر العاري من الوحوش .
الصغار تمضي ضاحكة ، تستغرق في ماء العذوبة .
العذوبة بسمة الحياة ، إذ ليس ثمة بندقية لاصطياد الفرح هنا ّ .

و إنْ مرَّ بصحراء ، وشاهد تائهاً تاهتْ عنه ناقته ، فأخذته عنوة السراب ، أسبغ عليه من نعيم الظل ، صبَّارات أشرأبتْ أغصانها القصيرة ، فامتدت تعانق السماء ، واستظل بها ، قرب عين ماء فجَّرها من خضاب كفه ، وجعل واحات التمر قريبة ، حتى إذا انهمر الماء من السماء ، فاضت الرمال بأناس فوق كثبان الصحراء ،فأحالوها لمدينة تمتليء بالضحك ، تكبر كلما زادت فقاعات الهواء المنبعثة من الحناجر الضاحكة .

و إن مرَّ بعاشقين مختلفين ، أسبل جفنيه ، و جعل أهدابه تتساقط من كفِّ السماء ، فإذا بها تنزل أمنياتٍ فوق كرسي اللهفة الذي يجمع بينهما ، فأحال الآمال إلى واقع وردي يبتسم له الزوجان في آن .

الزوجان يدربان صغارهما على المشي فوق الأرض .
الأرض تستقبل الخطو بضحكات متناثرة مثل الفوشار .
الفوشار يفيض من دائرة الوجود فرحاً وراء فرح .
الفرح بسمة الحياة ، إذ ليس ثمة من يعكر صفو الخير هنا .

يظل سابحاً في مجرة الحلم ، يستيقظ من هنيهات الدعاء المستغرق في السرد ، على صوت الآذان الذي تمتليء به أحضان الشمس في حضور حبيبها النهار ، يقوم من صلاته ، وهو سعيد بأنه لم يقطع غصناً ، يحمل فأسه على ظهره ، ويعود أدراجه وهو يقول "
:لا أملكُ أن أقطع عنق صفصافة ، ولست عدواً لأشجار السرو ، هبني يا الله فأساً تمنح السكينة للروح المتخشبة ، فلا تسلب أكسجين الله من روح الأرض .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق