الأحد، 1 مايو 2016

الجزء الباقي من ظلي





;كل الحب لحانة تنجبُ بطلاً في الحرب ، أو فنانا يرسم بريشته أوجاع بلاده ، أو موسيقار  يعزف ألحان الألم على سلم صول ، فيترجم سيفمونية إبداعه طرباً ، أو مخترعاً لمصباح أضاء بنوره العالم .

الحانات تاريخ مجاهد في سيرة الشعوب الذاتية ، إنها تبعث من رحم الفقر نوراً للكون ، ترسل شارات عبور لشعوبها نحو مسيرة الشمس ، الحانة أمٌ بطلة ، أذاقت أطفالها لوعة الوحدة ، ونكاية الوجع ، و قذارة المجتمعات ، حين تلفظ أنفاس أبناءها لطاحونه البكاء اليومي ، لميقات غير معلوم من مستقبل مجهول ، الحانة عجوز شمطاء ، حكيمة بالقدر الذي يجعل رحم المعاناة يُلقي بأطفال التجربة ، إلى معترك لابد منه ، ، لم تتخل الحانة عن واجبها الوطني تجاه البلاد ، لم تخذل التاريخ في صناعة قرار !


للحانة فلسفة لحزن ما ، قد تكتبه عاهرة تمنح سعادتها لغيرها ، لكنها لا تمنح الموت المجاني كالذي يأتي إلينا من كل حدب وصوب ، فالفرح ينتج أبجدياته من رحم البكاء ، وليس له طريقة أخرى كي يكون وليداً ، حياً ، ناضجاً ، إلا أن يمر عبر أيقونة الفقد ، والوحدة ، والعزلة ، وشيء من الإنكســار ,وضنك العيش .

في فلسفة ريكور ثمة ما يدلي به ذلك الرجل المختبيء من ألم الناس ، البعيد عن سلطة الانكشاف ، الباقي تلقاء السكون ، وقبالة النوافذ المقفلة ، الفاهم لحكاية الظل ، يقولون أنني وحيدة ، أو لعلي مريضة مثله ، أبتسمُ حين تدعي رفيقاتي ذلك ، ريكور كان يستمع لصوت العتمة ، يطلق عنان مخيلته للريح ، يُسابق كلمات هيجل ، ويعيد ترتيب الحياة وفق سؤال دريدا ، لكنه حين يكتب يترك للإجابة حرية إطلاق ساقيها للريح ، تهرب في الاتجاهات الأربعة ، تطير فوق أرض خياله ـ وخصوبة فكره ، ثم تجعل حبل أفكاره يتدلى فوق مقصلة العقل البشري ، يعيد قراءة الوجع ، يجعل شعوره باليتم ، بالفقد ، بالوحدة ، بالعزلة ،   ينجب زهرة ،   أو يقوده إلى  زرع زيتونة في بستانه المهجور ، أو صبَّارة تتسلق لأسوار الخارج .                                                                       
  

لم أسأل مرة على منهج ريكور "كيف ، ولماذا ؟ الجواب دائماً كان حاضراً يتقمص سبابة السؤال ، يؤشر على جهوزية الإجابات ، و الحياة دائماً كنافذة مشرعة ، على نوافذ الإجابة ، عندما يقتلنا ورع الإجابة ، وصدام الواقع ، السياسة أفسدتْ العالم ، و أبناء القصور استطاعوا إنجاب كمٍ هائلٍ ، من الأمراء البشر ، لكنهم لم ينجبوا إنســاناً له قلب ، انتشل الإنسانية من مستنقع الدم ، ووحل الاقصاء ، وفداحة تبادل وجهات النظر الرمادية ، وبشاعة الوجه الآخر للأنظمة العالمية ، إنها مجتمعات سياسية آسنة ، راكدة في
الدم الأحمر ، شرهة للأنا ، متعطشة للسيطرة والسلطة .

دعوني أنا والجزء الباقي من ظلي ، كوردة ٍ أعيش في حصوني ، وقلاعي العتيدة ، ترون أشواكي ، وتطالكم سلاطة لساني ، ولكن ثقوا أنني ابنة حانة ، وفتاة الحي البنغازي ، المتوسط ، الحي الذي صمد تحت راجمات السياسة الليبية   القاتلة ، التي تعيش إلى حد الانغماس في حالة العمى المعرفيّ والفكريّ وجهة نظر واحدة ، إما أن تكون أو لا تكون .                                   


سأظل أسأل مثل ريكور ، عن (كيفنا ، ولماذانا ) نحن هكذا ، لم نستطع أن نطلق سراح طفل إلى حقول  الأمل ، أو نجعل فلاحاً يسعد لأن أسنان محراثه تتهيأ لطمر بذور القمح في رحم الأرض  ، أو نجعل  طالباً جامعياً يمضي إلى كليته ، وهو يتمنى أن يقدم شيئاً عظيماً ، يختلف عن أطفال الحانات العظماء ،  بعد أن ثار و أزاح من طريقه عقبة أحلام الحياة ، أو نجعل حالمة مثلي تكتب روايتها بشكل متصل ـ دون أن تضيع في سرد فصول طويلة من الأسى المتجدد كل صباح بنغازي                                                                          
لقد زاد عددنا نحن سكان المدارس ، و نزلاء الفصول المدرسية ، أصبحنا كلنا رواد المقاهي الماضية في طرح السؤال ، عشاق لرواية البؤساء ، الباقية بقاء الاختلاف في الحوار ، السائرة نحو مجلدات من أسماء الشهداء ، الواقفة على ركام المباني ، والأحلام الزائلة ، كلما طالها وجع القذائف العمياء ، كم تبدو هذه السياسة امرأة ساقطة ، أو عاهرة ، تمنح الكل آمال البقاء على ذمة حنكتها ، ثم ترمي بهم في قاع قذارتها .

كيف أحافظ على السؤالين الفتاكين لريكور ، دون أن يخذلني وجهي ، حين أطرحهما عليه ، و أنا ممتلئة بوجعي ، نازفة من شريان الفقد ، إلى وريد الوحدة ، أنكفيء في رحلتي ، و أرى كل شيء كيف يمضي ، و إلى أين يَُفضي ، يبقيني هول الإجابات مُسمرة مكاني ، مشدوهة من عيون السؤال المفتوحة على مصراعيها ، وبلا سيناتي ، وتسويفاتي  ،أظل أنتظر في حانتي المُظلمة، بانتظار ضوء الصباح ، يروقني خبز أيامي ، وقناعتي بأن الإنسان ينتصر .....حتما ينتصر.                                                                                        




الاثنين، 25 أبريل 2016

الثامنة صباحاً ...






 .

الصباح ليس وحيدا هذه المرة 

بالأمس كان يلتفع أعمدة دخانٍ

تتمايل نحو السماء

لا تلوى على شيء

الرصاص الذي كان يدقُّ عنق الوقت

ويغتال ضحكات الوجوه

كشرطي اللحظة ...

يتأهب لرحلة اللاعودة

الضباب ينقشع في ذعر مُثير

للاشمئزاز ...

ووجهي هنا بين أحضانها ،

يرسم ملامحك من أشواقي 

المجنونة بك ،

كمذاق القهوة في شارع النيهوم


إنها الثامنة صباحاً ...

في بنغازي 

لا شيء سوى التحدي 

التمرد .....

اللا ...التي يجيدونها في 


ضراوة لا تخنع ...!


الحياة طفلة راكضة في عروقها

تتسرب كالماء من عنق البحر

إلى باحاتها العتيقة 

والأميرة جليانا تجوب بعشقها

حصى وأكوام الملح .....

تغمرُ قدميها في البياض 

ثم تغمسها بالطمى الطيني الأحمر 

و تغتســــلُ بماء الحياة !



الشارات الضوئية تستفيق من غيبوبتها

بعد أن عادها رجل المرور...

بذرةُ الثورات ...

تنمو في هذه التربة ..... 

تتثاءب كعذراء في أحضان الشرق 

الوجع يبدو مغروزاً في خاصرتها ..

يمتد بها نحو كفِّ البحر ..

والســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلطانة ......


لاتلوي على الألـــــــم 

تتبختر في اعتزاز ..

تمسك بخيط الشمس 

تمتطي صهوة الريح 

وتكمل سفر تاريخها في شموخ !


السبت، 23 أبريل 2016

جفن الليل لا يرف !










 الليل وريد نازف 
من هدب القلب ...

*
جفني الساهر حتى آخر رمق نجمة 
يجعلني عالقة بين حنين 
ومخاض اشتياق إليك ..!

*
أ يمكنني أن أدر حليب الوجع 
خارج سياج روحي ...
و أتسلق كتف الشعر ....
لأتغزل في العلاقة بين بؤبؤ عينيك
و لون الليل ...!

*
كيف تسللت ذات فجر لخطوط عزلتي 
وقفزت فوق أسوار وحدتي 
وتركت باب البحث عنك مفتوحا 
على شهقات الغياب !

*
كيف تسربت لروحي كماء منهمر
من عيون السماء ...
و جعلت الفرح يزهر كما قبلات الدفء 
للشتاء !

*
زرعت حنينك في قهوتي 
لتبحث عنك زوابع كفِّ فنجاني 
كلما ذوُّبني الارتشاف 
حضرت لذة الاشتياق لوجهك !

الثلاثاء، 19 أبريل 2016

عجين أخضر






كان ورقة يسكنها الصمت ، متهدلة من خد غصن ، يعجُّ بالكثيرات مثلي ، إناث يمضين في رحلة الوجود ، وهن وارفات ، شامخات ، يهبن الفرح ، وينجبن الطفولة ، يغمرهن دفء العجين ، المُتكور في بطونهن ، الخارج من عسل معقود ، في أكفُهنَ خيط الحياة ، الماضي إلى بقاء رحلته بين الأنامل المترعة بالود .


كان ورقة خضراء ، مُعلقة مثلي تنتظر القطاف ، و أنتظرُ حصاد الفرح ، يحمله جود الأكف الريحانة ، لتطحن خشونته ، ويستحيل نعومة ، تشبه دقة ملامح الطين ، و رائحة الجنة ، و أنين الصندل المُتصلب تحت ضربات سحقه ، تتلقفه يد أمي الحانية ، تضعه في ملاذ من فخار ، ثم تسكب فوقه شيئا من سواك حديثها الشائق ، و بعض دموع ماء الزهر ، وقليل من شهقات الشيح ،  تلونه بمنقوع الكركديه القاني ، تعجنه بأغاني الثرات ،  ثم تدفن فيه زغرودة فرح ، وتخضَّب يديِّ وقدميِّ قبل أن أغمض عينىِّ  في  جفن الوجود ..



عصيـــر ...








مواسم الجفاء تتسرب لرحم الأرض ، حين ينسى الطين وجهه ، تتشقق ملامحه من يباس الجفوة ، يترك جفن الأرض ، وهدبها متآكلاً من هجر الماء ، أ تراها تخلت عن وجهها الطيب ، جراء تفاقم الوجع في قلبها ، وتصحُّر عاطفة البشر ، فألقت ما في جوفها ، وتخلت ْ عن بذرة التكوين ، حين أدرك السواد نسغها ؟ !


مازالت السماء تسكب عصيرها فوق أكواب الأرض ، لتمتلئ العيون المتعطشة لأنامل الماء ، حتى تنفجر من السعادة ، ويشع فرحها حولها ، يتلون الوجود باخضرار الملامح ، وتتهلل أوراق الحياة ، ويمضي المطر في رحلته ، يمارس الشبق ، وينجب من أنوثة الأرض نباتات إناثاً من الزهور ، من شوق الجوري ، إلى عبق الياسمين ، إلى الورد البلدي المُعطر .


يتساءل متى ترفع الذكورية يدها عن هذا الرحم الخصيب ؟، وترحل بآلة الدمار عن هذا الوجه الصبوح ، المتخشب من الإعياء ، وضعف الحيلة ، وقصر اليد ، متى تتغير الأفكار الشرسة ، لتضخ من وريد قلبها أفكاراً تنجب الفرح ، وتسدل ستار الليل لتنتهي مسرحية الحروب التافهة ، و تبدأ مواسم الضحك ، محررة سراح الابتسامات من الأفئدة المحبوسة في سجون الجزع ، تخضب الملامح المتجعدة من الحزن ، بحناء الرحمة ، و يقين الله .


متى يملأ الماء هذا الرحم العقيم ، ويتسرب إلى أوردة الأودية الجافة في أرواحنا ، يترك للأمل نصيبه من غصن الرجاء ، ويمنح الرجاء فرصة التأرجح على أرجوحة الدعاء ، ويرفع الدعاء على الأكف المفتوحة مرآتها لسقف السماء ، يدعها للرحمن ، حين يعتصر رحمها ، فيأتي عصير المطر اللذيذ ، وتبدأ رحلة الإعمار والفرح بالحياة ...

الاثنين، 18 أبريل 2016

عجيـــــــن !










يتكور في يد أمي ، تضع الماء ، تسكب ملح الحياة ، وتنثر بعضاً من خمير المحبة ، ثم تجعله في إناء عميق ، تشهق فيه بحب ، وتبدأ في اللتِّ ، تمارس الفرح ، بأنامل تتخللها مواسم الأمل ، سائلة الله نعمة الحياة ، في كسرة خبز .

من نخاع الدقيق الأبيض يطير يمام الأمل أمام ناظريها ، وهي تسبك الروح التي  تشكلت بين يديها ، لله در الحب منك يا أمي ، يا وجه الصباح المستنير ، يا ضحكة الله في الوجود ، يا تهجئة الأنبياء لحروفك على الأرض ، يا شمعة ذابت أناملها ، لتطلق سراح الضوء من رحم الظلمة ، هاقد تكوُّر العجين ، وصار خبزاً ، تأكله الشفاه المشتاقة لمذاق يديك ، وطعم رحمة الله فوق شفتيك !






خزَّافة .






 خزَّافة .
تسكب أمي شيئا من الطَّفَل ، وبعضا من روح الأرض ، و رائحة نواياها الحسنة ، تمزجه بطين طمث الأرض الأحمر ، وشئ من ماء الحياة ، وقليل من الأمنيات ، تقول أنها تكفي لإرسال حياة بمذاق آخر ، ثم تضيف إليها رحلة تأمل من عينيها الفنانتين ، ومسحة من الإحساس ، ودفقة شعور بالعطاء ، و تعجن تلك الروح .


تبدأ في التشكل الرحمي الأول  حول رحى يديها ، تدوُرها بين أناملها ، ماضيةً في رحلة الاستدارة ، تصرع فيها كل الهموم ، ومضغة اليأس ، والحزن المقيت ، وتجعل أعشاش الفرح قريبة ، من الجرار الآخذة في التلوين ، رفيعة ، طويلة ، ملفوفة القد ، كأمي ، حين تقبل حاملة إحداهن ، وقد ملأتها بماء الحياة ، تقول لي انظري إليها ، إنها جزء منك ومني ، رفيقة الطين ، والصلصال ، وصاحبة الصوت الحزين .


اتركي يا فتاتي مجالاً للنافذة المُطلة على البحر ، كي يتسع صدرها له ، فالبحر ضائق بنا ، كلما هاج جراء فعالنا ، خذلته كائناته ، ولفظ بشهقاته للنافذة الصامتة ، تشرأب بعنقها نحو صمت الجرة الواقفة على شرفتها ، فتتجرع في يسرٍ ماء البحر ، وتحتفظ به في لبِّ روحها ، حتى يعودها مرة أخرى ، فيمسح بيديه على برودة الصلصال .

اتركي يا صغيرتي للطين روح التشكُّل ، فإني من مائه المهين ، ومن روحه الطيوب ، لا تؤلمي التراب الأحمر بوقوفك عليه ، وقُدس السر الذي بين يديه ، والثمي خد الزهر والريحان ، إذ انبعث من أصيص صغير ، ضاق به المكان ، واتسعت له تجاعيد الطين .

شكِّلي الخزف ، كلما تكوَّر بين يديك عجينا ، كعجين الجسد الرخو ، لوُّني وجود الله كلما طاف بك طائف الحزن ، وخفتِ أن يتجرَّد قلب الإنسانية من الرحمة بالبشر  ، فيقضي على حقول القمح فوق خدود الأرض ، يحرق زيتون نظراتها ، ويزجي حليبها بالماء ، ويمضي في فساده غير لاوٍ على ألمها ، تاركاً كيمياء جسدها تئن في روح الطين الأحمر ، ارسمي  منه عصفوراً ، أو عش يمامة ، أو جسدي وهو يرسل من الخزف رسائل الحياة للطين .
 عزة 

هامش : الطَّفَل نوع من التراب يدخل في صناعة الكثير من الخزفيات وأيضا يعتبر مادة أساسية في صناعة الأسمنت