السبت، 21 مايو 2016

الفتى الوحيد الأسمر 2












جنوب عينيك شامة سمراء وحيدة ، تتوحد الليل متغزلة في ملامحه المجهولة ، إنها شامة فزان الوحيدة ، جنوب شفتيك تفاحة العشق ، تستدير كواحة ترتع بين أحضانك ، يشرأب لها عنق الوطن ، المتعطش لعذوبة ماء شفتيك ، تلك واحاتك المغمورة في طيبة الرمل ، المنسية في قاع عينيك ، جنوب خديك يا فاتني غمازتان من لهفة ، سبها وقد شابها حنين القرضة ، و تخلل حديثها الشهي بدعة ِالعتاب المليح ملاحة روحك ، جنوب عنقك شريان يضخ قصائد فزان للقلب ،هنالك أنا أقيم فيك نبضة شمالية ، ارتحلت كغيمة مع الرياح الموسمية  

أقبع فيك متدثرة بدثار الشوق ، بانتظار مطر يهطل بدهشة اللقاء ، تزهر من بعده بذور حنيني ، و تخضر أغصان فرحي ، و تتطاول كنخلة جنوبية ألقت بأحمال ظلها قرب واحةٍ غنَّاء


آآآه ، تعال  !
تعال واترك للزمن مهمته ، دعه يكملها على مهل ، ودعني أتسلق كتفيك ، و أتشعلق فيك طفلة صغيرة ، باقية وتتمدد بين أحضانك لمزيد من العمر أيها المعتق كخمر في كأس الليل ، كنبض في ترياق القلب ، كهوس في رائحة القهوة ، كجنون في حرقة الروح ، كنسيم في تلاعب الريح ، كثمالة ٍ في سكرة  الوجد ، كوجه أتلقفه اشتهاء وشغفاً ، حتى تسكرني رؤيته ، وتنضج دالية فرحي بك حين يكفُّ عنك نزف الوريد الجنوبي .


من مجموعتي نزف الوريد الجنوبي 

الفتى الوحيد الأسمـر







طال بك الغياب ، أيها الأسمر المندثر بدثار الصمت ، القابع في سكون الصحراء المهيب ، الساكن في وريد الوطن ، مخطوف أنت من مذاق الفرح ، مبعد عن عيون الوطن ،متوحداً ليله ، مشتعلاً في نهاره ، صاخباً في نزفه ، باكيا حتى بلغ النحيب أنين الرمل اللافح فوق سيمياء وجهك ، وحيداً ، أسير الشوق ، مكبلاً بالوحدة ، مكللا بالخوف ، عزيز النفس ، نقي الروح ، عميق القلب ، ماذا فعلنا بالوطن فيك ؟ أبقيناك كيوسف ، معزولاً ، نائيا ، في الركن القصي نسينا عذوبتك ،وشراهة طبعك ، وبحة صوتك الرخيم ، تجاهلنا موطيء قدم الوطن فيك ، شغلنا النواح الشمالي عن تذوق أهازيج فرحك وتحسس محياك الأسمر ، وتفقد طيبة قلبك النازف من الوريد للوريد

احبُّ الهواء الآتي بنسائم اسمك ، تفرح له بوادر حنيني لأناملك ، تهلل له كثبان الرمل ، وتتشكل بين يديه عروس السراب كيفما شاء لها نهارك الصحراوي الموسمي ، فكيف أشرع اتجاهات بوصلتي للريح ؟ و روحك تناديني صوب الجنوب ، أ أترك من يدي بوصلة الطريق ، و أتبع حدسي نحو الوريد الجنوبي ، أم أغمس روحي في شهوة سكونك ، لأتحسس مفاتنك بعد أن طالها نزف الوريد .

من مجموعتي نزف الوريد الجنوبي

السبت، 14 مايو 2016

وحدها عبرت الليل بغداد











منذ أن عبر التتار فوق صدر الفرات ، والمدينة الثكلى تنتحب ، تقضي الليل نائحة ،سادرة في سراديب التيه ، بعد أنْ شجوا رأسها ، وبقروا بطن نهرها ، رصفوا العقول صفوف كتبٍ ، عبرت فوقها الخيل الجائعة للهمجية ، لتصب في ماء العذوبة قدور دمٍ ، وتجلب مع رجلها شياطين الحضارة ومغول العقل لبغداد .

2 /
بغداد ..
يامدينة النور ، ونزف وريد القلب ، وشريان الحضارة ، هاقد أصابت جسدك الغض خدوش الحضارة التتارية الشمطاء ، لتترك الحزن شامةً على خدك الناصع :
الرصيف الذي لايكف عن السؤال !
الطريق الذي يرسم سيمياء صحرائك لا يتوقف عن ضخ الدموع !
بحار الدمع إلماضية إلى مزاريب بيوتك الصامتة !
التوحد الذي يقيم في ليلك المنتحب !
حبلك السري الذي قطعُّوا أوصال الوطن فيه !

3/ 
بغداد ......
منذ أن بكتْ النخلة الباسقة ، وقلوب الأمهات تتفيأ الظلال ، تستمع لنحيبها ، تهز أغصانها الحزينة ، فتتساقط حروفك قناديل ضوء ، من ثغر السماء ، يا حبيبة الواحات المتسعة من عيون الدهشة ،
وحدك عبرت الليل !
وحدك قبلت خديه !
وحدك فطمت الفرح !
وحدك سال فيك نهر الدم !
وحدك شج الرحيل رأسك الشامخ !
وحدك تُقتل فيك الحياة ,,,
كلما صاحت غربان الظلام في فجرك المهيب
4/
بغداد ....
يا أم المعرفة الخلابة ، وفلسفة بابل ، وبلاغة آشور ، و اعتكاف عباقرة البلاغة ، و كأس اللغة المترع بأشعار المتنبي ، يا أحاديث نازك ، وبكاء السياب تحت المطر ، وفصاحة الجواهري ، يا مدينة النور ، استيقظي ، فالسبات غيَّب وجهك عن وعي الحياة والطريق المعبأ بالدم ، بات مرصوفاً بأوجاع الفتنة ، والإقصاء ، و الشتات طال به كهف الظلام !

5/ 
بغداد ......
ازيحي حجارة الغل عن صدرك الشريف ، ودعيني أقبل كاهلك المتعب :
للعابرين فوق تربة من ذهب
للسائرين فوق صدر الفرات المثقل بهموم مدينة تضخ أوجاع النهار ، لعيون الليل ،
دعي الإنسان يمرُّ رغم مكر العيون !
دعي الطفولة تسلك سبيل الحياة بين يديك !
دعي السلام يرصفُ طريقه لمقلتيك الساهرتين !
دعي النور يمر عبر أقبية الظلام الراتعة في جيدك ، التي تخنق عنقك الطويل ، وتحبس أنفاس الشمس في رئتيك !

6/
بغداد ....
يا حدائق الإنسانية ، المُعلقة كل صباح في قلوبنا ، يا حلوى أيامى ، وفرح دميتي ، و أحاديث أمي أمام عتبة البيت ، و أقاصيص أبي قرب نافذتي وسريري ، وحكايا الصحب ، والجيران أما حان الوقت لأن نحكي ألف ليلة وليلة ، والسندباد ، والكلك ، ونأكل سواء من الدلمة والبرياني ، والباجة ، أما حان الوقت كي نجتمع في شارع المتنبي ، لنتبادل سهام الشعر ، ونرجم بعضنا بالضحك ، و نقتبس من قصائدنا فيض النور لعينيك ، وشكر الله لنعمة شفتيك ، على سحرك ، على بيانك ، وعلى بلاغتك ، وشموخ أنفك ، وعلو وجنتيك !

عزة رجب
هامش : ألف ليلة وليلة ،سندباد ،الكلك ، حكايا من التراث العراقي 
الدلمة ، البرياني ، الباجة : أكلات شعبية مشهورة عن شعب العراق

الجمعة، 13 مايو 2016

أتهجأُ فزان .








فاء الفيء تلقيني وحيدة لأحضان  الوحدة ، و زاي ماء  الزهر تحملني برائحته الرائجة نحو جنوب وريدي النازف من شريان الوطن ، و ألف أُلفاك آلفت العزلة دون حدود وجهك المرتسم فوق تلال الرمال ، أيها النون المحصورة بين عين عروقي ، و ياء سكوني ، طالت بك حبال الغياب ، وتعلَّقت روحي فوق مقصلة فراقك ، وتدلتْ مشانق الشوق ، على منصة حنيني لوطن تسربت عذوبة مائه إلى وريدي الشمالي ، وبللتْ نسغ يدي حتى فاضت روحي زمزم  شوقٍ إليك !


أتهجأ فزان ، و أترك للأبجدية ملامح الاغتراب فوق محياي ، تيبستْ تجاعيد وجهي  ، وتسرَّب جفاء بعدك لمساماتي  ، وتشقق أديم جلدي من جفوة المسافة  ، وقسوة الغياب ، أينك أيها  المدسوس في ملامح الصحراء ، المنسي بين حكايا  الرمال  العميقة  ، المنساب كسراب يتراءى لرحالة وحيد ، خانه عقرب التوقيت ، وشدَّّه لجام الطوق ، عن عقال اللقاء !

أتهجأ اسمك ، وهجير الصحراء قيظ ، والجنوب المنفور من شريان الوطن ، يتيماً مبعداً وحيدا ، تحزنه حكايا الشمال ، وتشجُّ قلبه أمتعة الرحيل ، و يراوده الغرباء كل ليل ،  تجتاح روحه ريح الغدر ، وتعبر شريانه قبائل الغرباء ، فمَن ْ لي بقميصك أيها الغارق 
في حدة الصمت ، والمنساب كقطرات ماء بين أناملي ، و المُبعد عن مرآة بصري ، والسابح كسراب فوق خيط الشمس ، والمراوغ للظهور في وضح النهار ، والمتعب من الخطو فوق سيمياء الرمال الصفراء ...


أيها المشَّاء المتوحد في عزلة الليل ، المعتزل في زوايا فزان ، وهسيس نسيم  ليلها غارق في النجوم ، يهمس لي في أذني ، يوشوش قصائد العبير ، يروج رائحتها في اشتياق القمر لرحلة الضوء ، دعني أتهجأ فزان في حروف اسمك ، كي أصحو على وقع صوتك و أنام على خِفها وهو يعانق صحراء الجنوب .  
   

من مجموعتي نزف الوريد الجنوبي .

الأربعاء، 11 مايو 2016

اغتــراب ...










 أغترب  فوق لحاء أشجاري،   لأكمل حلمي  على جدار الخشب  ، أعلن موتي و أنا واقفة و متوحدة على جداري ، سادرةٌ في سراديب التيه ، أفتح أزرار قميصي للريح ، و أشرع نوافذ قلبي لسحب البكاء الذي لم ينته ، و أكزيما النزف التي تلاحقني ، لتكتب بخشونة وجعنا اليومي ، وتترجم خواء عقولنا ، ونزق أفكارنا ، وبشاعة ضمائرنا ، التي لم تتسع نزاهتها لكلمة وطن ..

الحظ هنا يبدأ في رفع أسعارنا اليومية أو خفضها  ، وفقاً لما يبعثه لنا من مفاجآت ،
 وطوابير الخبز تتحمل عبء البطون الخاوية ، ماضية نحو شارع آخر ، لتفتح ذراعيها للغة المحور ، الضائعة  في غياهب التيه ، هنا ترسم المعركة ديموغرافيا عجائبية ، تاركة الاعتبار  يحل محل الدهشة   ...
  الجندي الواقف عند حافة الشارع
  محل البقوليات المفتوح بجنون تحت أصوات  الرصاص
 الطفل الذي يعبر لمدرسته مُصرا على يومه الدراسي
 الرجل الذي يسير في أول الشارع فاقداً هدوئه
 السيدة التي تحاول إيقاف سيارة تقلها إلى مستشفى الولادة   
 القناص الذي يقضي وقته في ممارسة لعبة الموت على الأجساد المتحركة .

أيتها المدينة الغارقة في طين الوطن  ، و زند البندقية لا يفارق مقلتيك ، تجعلين للصيف حرارة اللقاء بالوطن ، ومذاقا مختلفا لطعمك الذي لا يبارحه البياض ، و رصيفك الذي لا يكف عن الثورة  ...ما لذي يلزمني للحلم بين ذراعيك ، لأغمر وجهي في رطوبة وجهك  ، و أجعل حنيني يتساقط أمطار شوق ، لعل دالية حلمي تمتلئ بعناقيد فرح ، تتدلى كلما ناداها مذاق الوطن لشفتيه  

تلزمني علبة تلوين ، وفرشاة ، ولوحة ترسم  أحلامي ، دون أن يصادرني حوار ساستنا المتأزم عقلياً ، أو أتعرض لقطع موارد الماء  ، أو أُفاجأً بالظلام يسدل ستائره على بيتي معلنا انقطاع الكهرباء ، أو أستيقظ على حريق عالمي لآبار النفط ، أو تلاحقني تكشيرة الموظف في الشباك ليقول لي حسابك صفر ، أو أسمع صوت هاون سقط عشوائيا فوق الحي الذي أقيم فيه .

يلزمني قانون نيوتن للجاذبية ، لأصلح ذات البين بين قطبي المغناطيس المتنازعين ، المتنافرين ، و أشرع في تدوير تفاحة أفكاري كيفما تتفق لي الشمس ، ومثلما أشتهي أن يكون قدري ، تلزمني لغة ثالثة تتفهمها العقول الخاوية التي

ترانا نتمزق ، وترانا نتآكل من الحزن ، ونتلاشى من الوجع المخيم على عراء قلوبنا ، ننتظر الوطن ، ويأبى الوطن أن يأتي ، وقد حاصره حاجز أجوف ،  سقط في الطريق  إلى  العقول  المتنافرة .



صرعات لطقس الحرية







على جفنٍ ناعسٍ ...
يخرجُ صفار الكلمات ...
من محِّ بيضةٍ بنت يومها ....
ويخدجُ الحياءُ زلال الجدار
يتسمَّرُ حجر الرشيد ، فوق ثاقبٍ لفظته
السماءُ لثغر الأرض ! 

2/
الرَّايات السُّود ترِدُ أبراج حمائم بيضاء
تنثرُ القمح سنبلاتٍ يابساتٍ ...!
تتصدَّرُ قسمات الحرية 
بوشم التَّكفير! 
قناعٌ أمام مرآة ، يُفخخ من كل فجٍ 
أعشاش الحيـــــــــــــــــــاة ! 
وعزرائيل يتمُّ تصنيعه معلباَ ـ
و أشلاء !
ترتيبٌ أجوف الخواء ......
لجنائز حافية سوداء
وببساطة يقرؤون سورة براءة  !


3/

نُرسلُ أفواج النَّعاج ...
كقطيع الموتى .....
تطوفُ شعوبها سبع مراتٍ
بحثاُ عن موسمٍ الحجِّ المزعوم 
أفواجاً يحجون للقبـــــور بلا إحرامٍ 
وبين ساعة صفاء ، وعقرب خانه التوقيت...
ثمةُ ثقوب لجيوبٍ جوفاء ....
تزدلفُ الرذيلة فوق جسدٍ يموء حتى الخرف ! 


4/
عيناي مشرعتان على نافذة الشَّمس 
مشطتُ شعري بمشطٍ أعمى  
لايرى شارات الحواجز البرتقالية بالمفارق 
كشَّرتْ أنيابه عن حريةٍ نهدها أحمر !
قميصي قُّد من دُبر حين مارستُ طقس الهواء ! 
أحمرُ شفاهي قاتم اللون ...
مزهريةُ أحلامى تغرقُ في مائها الآسن  
خدي ، يتوسَّدُ وسادة عمياء !
تتوكأ على عكازٍ ينكزُ الكوابيس السوداء
يرمي قبلات اشتهاء لطعم سنبلةٍ خضراء  !


5/
بعضُ المؤتفكات مقلوبات ٍ
بالخســـــــــــــــــــــــف  
مجدولاتٍ على ظفيرة الكذبِ ...!
تثيرُ زحام المـــدن بخزعبلاتٍ حمراء
فوق رصيف ذاكرةٍ نقيعها راكدٍ ...
عادياتٍ يتعللن الكســــــــــوف ....
قادماتٍ فوق ريح كافرةٍ بموسم المطر 
غبارها لايُبقي ولايذر....
وجهان لعملة واحدةٍ ...
إذا طارتْ لأعلى شفاه الهواء الحارة
تلقَّفها ببساطةٍ وجه الحقيقة الصَّفـــــــــــــراء 






الثلاثاء، 10 مايو 2016

تضاريسك








أهمُّ برسم الخريطة ، أصنع حدود اللوحة ، أرسم الإطار ، أبدأ في إحصاء تعاريج خطوط الطول والعرض ، يأتي وجهك على خط الاستواء ، فيشق قلبي نصفين ، من الشمال كانت كلماتي علامة تعريف الخريطة ، دوال حمراء لمناطق غير آهلة بحبي ، دوال خضراء لحريتي فيك ـ دوال صفراء تمنع الشوق من ارتكاب لوعة حنينه ، حين تلتقي كفي المشتاقة للقاء كفيك ، من الجنوب كان وجهك يرتسم كسراب ، يصعب الإمساك به ، يتراءى لي من هجير الصحراء ، ولسعات البرد تجتاح جسدي الغض .

أنا يا سيد السراب 
يا قوت السراب حين يتآكلني الحنين 

أعرف كيف أملك قوانين التيفيناغ لأتهجأ مشاعري ، مقتطفة من لكنة التوحد ، فوق تجاعيد صخور الصحراء الساكنة سكون الرحيل ، فقدت دليلي إليك حين أخذنا الوطن صحبة رحلة ضياعه ، غاص بنا في كثبان الرمل المتحركة ، ضاع أناس ، وغرقتْ قوافل الودَِ ، وقبائل الحنين  ،  كانت تقطع صمت الصحارى ، وسماء عينيك بوصلة الرحيل .

دع وجهك يحتل خارطة  حزني ، يتركني أمارس هوس فضولي  فوق خطوط طولها  
وعرضها ، أحفل بك ، كما تحفل نباتات الصبار بمرور قوافل النوق من دربها ، أشتهي أن يحملني نسيم الصحراء على كف تخضبت بشوق أعماه الصبر ، فترك الرمال الصفراء تكتب الحكاية فوق تضاريسي  ، تجعلها  ديموغرافيا أبدية ، تستمد نحتها من ملامحك ، وتجاعيدك ، تروي أيقونة  الجنوب الغائب في صمت الصحراء والسكون .



من مجموعتي  نزف الوريد الجنوبي